ديريك والكوت، الشاعر والمسرحي الكاريبي الأصيل، خسر الأسبوع الماضي جائزة تعادل جائزة نوبل التي نالها عام 1992. فقد سحبت جامعة أوكسفورد البريطانية العريقة ترشيحه لتولي كرسي الشعر، لصالح منافسته الإنجليزية روث بادل. ولو تم لوالكوت ابن الـ79 عاماً شغل هذا المنصب، لأصبح الأسود الأول الذي يلقي محاضرات عن الشعر في أوكسفورد منذ 300 سنة. لكن إدارة الجامعة تخلت عن تحقيق هذه الريادة حسنة السلوك، بتبرير مستمد من سوء السلوك. فقد قالت الجامعة إن والكوت غير مؤهل للمنصب بسبب تهمة بالتحرش الجنسي التصقت به عندما كان أستاذاً في جامعة بوسطن الأميركية قبل عقود. يومها قالت إحدى الطالبات إن أستاذها منحها علامة منخفضة عندما لم تستجب لرغباته. من المفترض أن تكون جهات إدارية أو قضائية قد حكمت يومها على سلوك شاعر الإنجليزية المعاصر الأشهر.. وحينما منحته لجنة نوبل جائزتها، انشغلت في تقييم منجزه الإبداعي وليس في تفسير سلوكه الشائن، على عكس الجامعة البريطانية التي فضلت الحفاظ على «حصونها النقية» بمبرر غير أكاديمي، على حد تعبير هيرميون لي عميد كلية «وولفسون» في أكسفورد، وهو من أشد المناصرين لوالكوت. هنا تتضح خلفية أساسية لمسألة «النقاء» الكامنة في تلافيف العقل الأوروبي، والمتوارية وراء مصطلحات خطابه البراق. فجامعة مثل أوكسفورد، لا تخطط لكي تحتفظ بكراسيها الأكاديمية لمن ينتمون للعصور الكولونيالية فكراً وثقافة، لكنها تعرف كيف تحجبها عن الخارجين عن تلك العصور، حتى ولو كانوا أبناء ابنها الشرعي. فديريك والكوت نفسه، المولود في سانتا لوشيا في الكاريبي، والذي عاش في ترينيداد، وانتقل إلى الولايات المتحدة، تجري في عروقه دماء أفريقية وألمانية وإنجليزية وفرنسية، وتتكون المادة الأولية لوعيه وثقافته من الإرث الاستعماري. وبقدر ما يعبر في أعماله الشعرية والمسرحية عن مسألة الهوية الوطنية، التي باتت مجرد «بوسترات سياحية» كما يقول، فإن «هويته» ليست منفصلة عن التاريخ الاستعماري وفعله. فهو داع كبير لمرحلة «ما بعد الكولونيالية» (الابن الشرعي المهذب للكولونيالية البشعة). والقارئ لقصائده الأولى والمتأخرة، الموزعة في دواوينه الكثيرة ومنها «في ليلة خضراء»، و»الناجي من الغرق وقصائد أخرى»، و»عنب البحر»، و»مملكة التفاح النجمي»، و»الخليج»، و»المسافر المحظوظ»، و»منتصف صيف»، و»طقوس كاريبية»، و»قصائد لدخول الملكوت»، و»العودة الى الرحم» يلاحظ أن تعبيره عن ألم مواطنيه، هو تعبير عن الإنسان بالمطلق وليس عن الإنسان الأسود. وهذا ما لاحظه الناقد ر. و. فلنت في مجلة «ذا نيويورك تايمز بوك ريفو» عند قراءته لديوان «منتصف صيف» بقوله: «إن والكوت فنان أصيل يمتاز بأناقة الأسلوب وروعته، وتنوع موضوعاته الشعرية. وهذه السمة ـ جنباً الى جنب مع تنقله بين شتى الثقافات ـ تعتبر عنصراً جوهرياً من عناصر سيرة حياته». وبهذا التكوين الثقافي دخل والكوت في سجال مع المبدعين الكبار من أبناء جلدته، خصوصاً مواطنه ف. س. نايبول، آخذاً عليهم الإسراف في تظهير عقدة الاضطهاد، والعيش تحت ضغوطها، معتبراً أنها من الأوهام. جامعة أوكسفورد، بحثت في سجل والكوت وليس في سجالاته، لكي تبرر الحفاظ على 300 عام من الكولونيالية النقية. عادل علي adelk58@hotmail.com