غالباً ما تحرن كلمة أو كلمات في قصيدة الشاعر. وربما قضى وقتاً يقصر أو يطول، بحثاً عن هذه الكلمة، أو عن بديل لها وربما عثر على ضالته فتستقيم عندها قصيدته.. أما إذا لم يعثر على الكلمة التي لابد منها ليستقيم معها شأن القصيدة فإن موضعاً ما، من جسد القصيدة يبقى شاغراً ويئن، حتى يفتح الله للشاعر ما يسدّ به شغور الكلمة أو قلقها.. فتخرج القصيدة إلى الوجود. كان الشاعر الفرنسي مالارميه يحاور أحد الرسامين في موضوع الشعر. قال له الرسام: بالأمس جمعت على الورقة عدداً من الأفكار لكنني وأعترف لك لم أستطع صنع قصيدة. قال له مالارميه: هذا صحيح لأن القصيدة ليست أفكاراً بل كلمات. من هنا تأتي خطورة وأهمية تكاتف الكلمات في الجملة الشعرية، والجملة الشعرية في النص الشعري، وأكاد أرى للقصيدة على أنها أقرب ما تكون للبناء فإن معمار البناء قد يختل أو ينهار بسبب حجر واحد في غير موقعه. وعلى كل حال فقد يُعاب البناء بسبب هذا الحجر القلق. راودتني هذه الفكرة وأنا أقرأ الديوان الأخير للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش. وقد صدر بعد موته بعنوان «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» عن دار رياض الريّس للكتب والنشر (مارس 2009)، مع كراس بعنوان «محمود درويش وحكاية الديوان الأخير» كتبه معدّ الديوان للنشر الروائي إلياس خوري، عن مخطوط وجد في منزل الشاعر بعمّان. وقد وضعنا باكراً ملاحظات على هذا الديوان لما فيه من خلل عروضي وقلق في بعض الكلمات وذلك لأنه ترك مخطوطاً وقيد الانجاز. سنورد هنا فقط حكاية كلمة واحدة في الديوان في قصيدة «نسيت لأنساك».. إنها قصيدة مؤلفة من خمسة أبيات مقطعية، ذات وزن واحد وقافية واحدة، يلي كل مقطع بيت واحد يأتي على شكل صدى للصوت، ويتكرر وزنه ورويّه خمس مرات في القصيدة على الصيغة التالية: الخسارة تدمي ولا تقتل هكذا يفعل الحجل كل آتٍ هو الأول خلفنا يلهث الأمل حاضري غيمة وغدي مطر والمشكلة هي في آخر كلمة من البيت الخامس، لقد وضع درويش قربها في المخطوط علامة استفهام. إنها قلقة ولا تستقيم مع الأبيات السابقة. ومات الشاعر وبقيت الكلمة قلقة. وها نحن نرى أن ما كان يرمي إليه الشاعر هو التالي: حاضري غيمة وغدي جدول فيستقيم أمر القصيدة. والله أعلم..