لأن قلبي وطن عربي صغير، كان نشيد الوحدة دائماً يفرحه، ويجعله كطائر يعشق الهوم، ويغوى الطيران، يزاغي الماء والرمل والسماء والهواء العربي، كان وما زال هواه عربياً، فكيف إن كان يعربياً. اليمن اليوم.. في ذيل قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم، رغم أنها تقبض خاصرة الجزيرة العربية الغنية. في اليمن اليوم.. السلاح والجبال والرجال والفقر والعنف السياسي والتاريخ البعيد، وذاكرة قبلية قلما تنسى الأمور. في اليمن اليوم.. تمنع 6 صحف سيّارة، ويزج بالصحفيين والكتّاب والمتنورين في السجون، وخروج عن روح الديمقراطية، وفساد يرعى عشب المدن، واضطرابات ربما تذكرنا بأحداث يناير الدامية في مصر، وثورة الخبز، وبآخر أيام حكم السادات، وقانون «العائلة» وقانون «العيب». في اليمن اليوم.. الحوثيون في الشمال، ودعاة التغيير، وربما الانفصال أو الانفكاك في الجنوب، وهناك القاعدة في كل مكان، وهناك أصحاب المصالح في الداخل والخارج، وهناك الدين المتسيس، وهناك زلازل مجتمعية يمكن أن تصدع الطبقات في أي لحظة. هل تكمل الوحدة اليمنية عامها التاسع عشر بعد أيام، وترفع عنها الوصاية، ويظهر التقويم لتجربة عمر ليس بالقصير، وتظهر دعاوى الشفافية، والديمقراطية، والمطالبة باتحاد كونفدرالي لا يعيب الوحدة، وربما يشرعنها، ويقويها في النفوس، وتنطلق باليمني - الذي لاينقصه شيء - نحو أفق جديد، وعالم متمدن بعيداً عن أسوار التاريخ المغبرّة والغابرة. إذا كانت الوحدة جاءت على ظهر دبابة بعد اقتتال الأخوة «الأعداء» فإن بقاءها طوال هذه السنوات كان بقرار من صدور اليمنيين التي تتسع للكثير إلا الظلم، والتجاهل، والمعاملة بالدونية، لا النديّة. اليمني يريد من براميل البترول «كلن» ويريد من الوحدة انتشاله من الجهل والفقر، ويريد أن يبصر النور في بلاده، ويريد أن تكبر مدنه، ولا يريد أن ينجح وراء المياه الإقليمية فقط. اليمني يمكن إن لم تقبل عزومته أن يسبّك، ويمكن من المحبة لك أن يسبّك، ويمكن إن أضحكت قلبه أن يسبك، ويمكن إن أغضبته أن لا يسبك، وهنا ينوي، ويعني الشر، فالمسبة عند اليمني محبة. لا تحتكموا للسلاح في اليمن من جديد، فالسلاح تحت المآزر، والحرب أولها كلام الحناجر، وسحب الجنابي والخناجر.. ولا تنسوا أن الحكمة يمانية!