يدعو الإنسان في بعض اشتداد المحن بالموت على نفسه، لكنه إذا علم أنه مصاب بمرض عضال جرى في جهات الأرض بحثاً عن علاج، أما حين تتكاثف أمامه المصائب ويصبح الأفق مغلقاً تماماً، حيث لا مجال لخيط ضوء أو شيء من هواء، فإن هذا الإنسان لا يفكر في الموت، لكنه يفكر في إيجاد المخارج خاصة حين يكون إنساناً طبيعياً وإيجابياً، قد يحتال بما لديه كي يجد منفذاً للهواء، ولا بأس أن يلجأ لأية حيلة يقاوم بها الموت، فالحياة هبة الخالق التي لا يمكن التفريط فيها بسهولة، ومثل هواء الحياة يكون هواء الحرية... يقول علماء الاجتماع والسلوك الإنساني إن الإنسان كائن حر بالفطرة، لكنه مستعبد ومقموع بفعل الخارج والظروف.. هذا لا يعني أن البعض لا يضحي بحريته في سبيل مصالح معينة، لكن هناك أيضاً من يضحي بكل شيء في سبيل تلك الحرية.. قرأت كتاباً شائقاً للزميل والكاتب الصحفي المصري عادل حمودة، أمضى في تأليف مادته سنوات طويلة جمع فيه كمّـاً هائلاً من النكات السياسية التي تداولها المصريون في أزمنة سياسية مختلفة منذ حكم جمال عبدالناصر مروراً بالسادات والرئيس الحالي حسني مبارك، وفي كل هذه النكات هناك حقيقة واحدة تبدو جلية جداً، خلاصتها أن المصريين كانوا يقاومون طغيان السياسيين والهزائم التي مروا بها والأوضاع الاقتصادية الصعبة بالنكتة، أي بالسخرية. فيما بعد انتقلت العدوى إلى كل الشعوب العربية، فأخذوا يؤلفون النكتة ويمررونها وينشروها سريعاً كي يقاوموا بها أوضاعهم السياسية والمعيشية الصعبة ولقد ساعدتهم التكنولوجيا كثيراً. اليوم لم يعد المصريون متفردين بهذا الفن وإن ظلوا هم المتفوقون فيه، فقد تبعهم العراقيون واللبنانيون وأمم أخرى عديدة اتخذت من السخرية على واقعها طريقاً للخلاص أو الاحتمال، مما يجعلنا نعتقد بوجود علاقة واضحة بين ازدهار النكتة السياسية والأزمات الكبرى سواء أكانت هذه الأزمات أوضاعاً داخلية مأزومة وشديدة التعقيد كأوضاع اللبنانيين والمصريين، أو أوضاعاً سياسية مرتبكة وطاحنة كأوضاع العراقيين والفلسطينيين.. تقول لي صديقة لبنانية، نحن لا نحتاج أن نقاوم بالحيلة فلدينا مطلق الحرية؛ لأن نقول ما نشاء لكننا نضحك على أوضاعنا لنحتملها؛ لأن ما مر بنا نحن اللبنانيين لا يمكن احتماله إلا بالضحك منه أوعليه! أخيراً، فالشعب العربي كله الآن وبعد محرقة غزة تحديداً صار يعيد إنتاج النكات السياسية التي يحاول أن يوقظ بها نفسه من هذه الغفوة الطويلة والاستلاب المخزي الذي دخل أنفاقه منذ قرون وما عاد قادراً على الخروج منه.. آخر النكات التي يتداولها المواطن العربي هذه النكتة القاسية.. «يقال إن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش دعا توني بلير إلى الغداء.. وبعد الغداء...... خرجا للصحفيين للإدلاء بتصريح صحفي...!! فتقدم منهما أحد الصحفيين سائلاً: ماهي القرارات التي اتخذتموها أثناء اجتماعكم..؟؟ قال الرئيس بوش: قررنا أن نقتل 20 مليون عربي وطبيب أسنان واحد..؟؟؟!! توقف هنا قارئي الكريم ............ ماهو السؤال الذي يدور في ذهنك في هذه اللحظة..؟؟ نعود للنكتة........ دهش الصحفيون طبعاً ونظروا إلى بعضهم البعض والكل متلهف لمعرفة...... لماذا طبيب أسنان واحد فقط.؟؟ فقال أحد الصحفيين للرئيس بوش: ولماذا طبيب أسنان واحد؟؟ تبسم بوش... ثم مال على توني بلير....... وهمس في أذنه... ألم أقل لك إن أحداً لن يهتم بالـ20 مليون عربي؟ انتهت النكتة..........!!!! ayya-222@hotmail.com