المدرسة محفل، وحقل، وواحة، واستراحة للطالب الذي غادر منزل ذويه، وجاء إلى الفصل المدرسي ليلقى نفس الرعاية والحماية التي يحظى بها بين يدي أمه وأبيه.. وحكاية الطفل أحمد مع مدرسته الخاصة، تشير بأصبع الاتهام إلى بعض المدارس التي بسبب من الأسباب تلقي بالطالب الصغير في عرض الشارع دون مراعاة ما قد يتسبب به هذا التصرف العشوائي من أخطار قد تؤدي إلى كوارث ومآسٍ. يبدو أن بعض المدارس الخاصة يديرها أفراد لا ينتمون إلى الخلق الإنساني، ولا إلى المشاعر البشرية التي تولي الطفل أولوية قصوى في التعامل بعيداً عن المآخذ والمطالب المادية، أو الملاحظات على الطفل سواء كان في مظهره، أو سلوكه، أو تعاطيه مع العملية التعليمية.. قضية أحمد تحتاج من وزارة التربية أن تمعن النظر جيداً وأن تلاحق، وتحاسب، وتعاقب الجناة الذين كادوا أن يتسببوا بكارثة إنسانية بحق طفل بريء لا يملك من القدرة على التصرف مع الظروف التي أوقعته فيها مدرسته «الموقرة».. فأي قلب هذا يحمل كل هذه الضغينة على طفل لم يتجاوز السادسة من العمر، ويقذف به على قارعة الطريق من دون علم ذويه، ثم ينتهي كل شيء وكأن الأمر يتعلق بكائن فقد جدواه ومعناه ولا داعي لوجوده بين أقرانه من الطلبة.. أي مشاعر إنسانية هذه تجمد الدم في جسد أصحابها ليصبح الأطفال مجرد نفايات يلقى بها في مكبات القمامة وليذهب من يذهب إلى الجحيم. وزارة التربية مطالبة اليوم بأن تشير بالإصبع على المتهم، وأن تحدد الخطأ، وتحدد المخطئ وتعلنها صراحة ما هي الإجراءات التي ستتخذ ضد أولئك الذين ضاقت بهم السبل بما رحبت، ووضعوا الطفل أحمد أمام المجهول غير المحمود دون علم أهله.. نحن نعرف أن عنواناً واضحاً وصريحاً لأسرة كل طالب ينتمي إلى المدرسة موجود في ملفاتها، فما الذي يتعب إدارة المدرسة لو أنها اتصلت بذوي الطفل وأخبرتهم عن ظرفه وطالبتهم باصطحاب ابنهم، من دون أن يعرضوه إلى الأخطار، وحالة الفزع التي عاناها وهو يجد نفسه وحيداً في الشارع بلا راع يحميه ويطمئنه من فزع الوحدة.. مدرسة تُعامل الطالب بهذا الأسلوب اللامبالي لا تستحق أن تكون منهلاً لتلقي العلم والمعرفة والتربية الصحيحة.. مدرسة كهذه لا تستحق أن تتمتع برخصة التربية والتعليم إذ تخلت عن دورها التربوي، والأخلاقي، والإنساني وتبوأت دوراً لا يليق إلا بمحل للتجارة بالبشر، ونحن في بلد يقف في مقدمة الصفوف حامياً وراعياً الطفولة، ومدافعاً عن حقوقهم ومفتحاً زهور الآمال أمام عيونهم.. ونقول لإدارة هذه المدرسة أي مشاعر إنسانية سيحملها هذا الصغير تجاه المدرسة، وأي إحساس سيتدفق في قلبه تجاه العملية التعليمية.. إنه شعور بالخوف والكراهية وإحساس بالاشمئزاز والتقزز من شيء اسمه مدرسة.. التربية أخلاق وأول أخلاق التربية تحقيق الطمأنينة في نفس الطفل وجعله جزءاً من المدرسة لا نتوءاً شاذاً منبوذاً..