المبادئ والثوابت تتبدل كما تتبدل الأشياء الأخرى التي تفقد معناها ومغزاها.. في هذا الزمن تبوء الأشياء النبيلة إلى الفشل الذريع وتسقط من علوها إلى الحضيض وسط الرضيض الثقافي واللهاث اللا مسبوق وراء الإبهار المريع للمادة.. نحن أمام تغير سريع وتبدل فظيع وانسياق أعمى لا يبصر ولا يسمع، يطيح كل القيم والشيم والأعراف والتقاليد، ويمضي بلا استحياء متلاحقاً متلازماً مع ما يشبه الزبد الذي لا يذهب إلا جفاء وهراء وافتراء واغواء. الصرخات تتعالى من كل مكان والحلوق جف ريقها وهي تزعق وتخنق وتختنق جراء الهواء الجاف الذي يقابلها وعدم الاهتمام من قبل المسؤولين عن التعليم.. الامتحانات على الأبواب والدروس الخصوصية تشعل نيراناً وأحزاناً وهواناً لمهنة التعليم ودور المعلم الذي قيل إنه الرسول وإنه المبجل وإنه المسجل في قائمة النجباء والأوفياء والنبلاء.. مهنة التعليم مهنة مقدسة وهي مؤسسة على ثوابت الانتماء إلى العطاء النبيل، الجليل، الجزيل، الذي لا ينبغي أن تشوبه شائبة الخيانة للضمير أو تحييد القيم والمعاني الرفيعة.. أولياء الأمور والطلاب والمدرسون يشاركون في وأد العملية التعليمية ويساهمون بشكل مباشر في وضع التعليم في حال الاضطراب والخراب والضباب وجعل الطالب سلعة رابحة لمن يهمه أمر التخلي عن ضميره والانحياز إلى سوق النخاسة، أصبح الحفظ والتكرار والتلقين اللعين مادة دسمة وسهلة يتداولها المدرس والطالب ويسعى إليها أولياء الأمور للفوز بنسبة عالية أشبه بالحمل الكاذب الذي لا ينجب إلا سراباً وخيالاً مفجعاً في نهاية الأمر. الامتحانات على الأبواب، وأجراس العودة إلى عادة استمرأها الطالب والمدرس وولي الأمر وصارت الدروس الخصوصية تجارة مقاولات، أبطالها عباقرة أفذاذ، عرفوا كيف يتعدون مرحلة الانهيار الاقتصادي العالمي وكيف يتجاوزون محنهم المادية بالاستفزاز والابتزاز وانتهاز الفرص السانحة لطلبة تهاونوا وتواطأوا مع خيانة الضمير وشدوا الرحال باتجاه التحصيل السهل، والتسهيل المحصل، ولا من يردع أو يمنع أو يقول لا لهذه السلوكيات الشاذة التي لا تخدم ولا تقدم شيئاً للوطن غير الضياع والانصياع إلى مزيد من الترهل وفوات أوان الفرص الحقيقية لنهوض الوطن ورقيه.. فجيل تربى على الغش لا يرجى منه أمل، وجيل اعتاد على السهولة لن يركب الصعب، ومن لا يركب الصعب مصيره الخيبة وأوانه الفشل.. نحن بحاجة إلى هبة تعليمية حقيقية تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح وتعيد العملية التعليمية إلى صباها لترتقي بقوة وتذهب بثقة نحو آفاق التطور.. فلا إنجاز حضاري حقيقي من دون عملية تعليمية معافاة من درن الانحطاط الأخلاقي.