اليمن السعيد، اليوم غير سعيد، وهو قريب وغير بعيد عن أحداث توالت في بلدان عربية وأولها العراق، فلم يسأل عنها أبو العربي، فجاء أبو الغربي ليحل المشكلة فكانت المعضلة.. اليمن يواجه أزمة سياسية طاحنة قد تؤدي إلى تفكك هذا البلد العربي كما تفكك سواه.. الجامعة العربية بيت العرب كما يقال لم تحضر بعد، بل إنها دائماً آخر الحاضرين وأول الغائبين، ولم تزل تمسك بعصا الصمت الرهيب حتى تأزف الآزفة، وتنزف النازفة، وتعزف العازفة، ويغرف هذا البلد العربي العزيز من دماء أبنائه حتى آخر رمق، ومن بعد نسمع الأبواق تهدر وتصدر البيانات والشعارات التي لا تخدم للود قضية. بطبيعة الحال الاتحاد الأوروبي سيتدخل، ودول أميركا اللاتينية سوف تتوسط بين الأشقاء الفرقاء، ودول الآسيان ستدلي بدلوها، ولن تبقى دولة في العالم، صغيرة أو كبيرة إلا وتمد لسان الرأفة، إلا العرب، بعضهم متفرج، وبعضهم شامت، وبعضهم صامت، وبعضهم مندهش، والنار هناك تعيث في الهشيم، ومتسولو الحروب يمارسون هوايتهم المفضلة على حساب بلد وشعب ومقدرات. اليمن السعيد يعيش اليوم أحلك أيامه، وبلقيس تصرخ عن ضياع أرض سبأ، وإغاثة قصيدة المقالح، وإغماضة عين البردوني، ولا من مجيب.. الجامعة العربية لم تطلب اجتماعاً عاجلاً ولا آجلاً، ولم تتفوه بكلمة تشفي الغليل وتعافي الكليل، ولو بقليل من النخوة والصحوة والانتباهة إلى وصول بلد إلى حافة الهاوية. العرب مشغولون بانهيار البورصة العالمية، وتوعك الاقتصاد الدولي، وحمى الانفلونزا السياسية التي تضرب أماكن بعيدة من قارات العالم.. العرب يفكرون ويتأملون خطوات السيد أوباما وما سيقدم عليه من تغييرات استراتيجية في السياسة الأميركية، العرب منهمكون في علم الغيب وما سيأتي به من مفاجآت على مستوى السياسة والاقتصاد، واليمن يقع فريسة التشريح والتبريح والتجريح، وبلا توضيح، يظل الصمت العربي سيد الموقف، واستراتيجية عربية موحدة. صمت العرب إزاء حالة العراق فعاثت به الفلول، والفرق، والنحل، والطوائف، والطرائق حتى أصبح من العسير ترجمة ما يحاك ضده من هنا أو هناك.. العراق انحل عقده وهوى، واستهوت الفرق المتناحرة لون الدم ورائحته، ونحيب الأرامل والثكالى، وها هو اليمن يحث الخطى باتجاه نفس المعركة المصيرية، ونحو نفس المسارب والمشارب والمآرب، ولا أحد يتحرك، ولا أحد ينبس ببنت شفة، ولا أحد ينظر إلى هذا البلد، بوابة الشرق من ناحية باب المندب.. اليمن بحاجة ماسة إلى سرعة إنعاش، وإلى عناية مركزة لإنقاذه من الذهاب إلى غيبوبة فوات الأوان.. الجامعة يجب أن تتحرك، العرب يجب أن يتحركوا، وكل من لديه ضمير حي يجب أن يهب هبة الأحياء.