التفاؤل كبير والحلم أكبر في أن تباركنا السماء وتفتح بريقاً لنجومها وأقمارها على سواد جثم وخيم وعتم كوننا العربي بفعل واحتراب واضطراب وخراب تمتد على طول الأرض وعرضها وبات الإنسان لا يملك غير الأمنيات بأن تنفرج الأمور وينبت الحبور في صدور من طحنتهم الحروب وسحقت تطلعاتهم إلى أوطان تهجر اللون الأحمر وينشر البياض قلوب من تحكموا وتسيدوا وتشبثوا بزمام الأمور وصارت الأوطان مطية طيعة رهن إرادتهم· رغم هذا المطر الحمضي إلا أننا نلتزم بالتفاؤل ونحترم إرادة الشعوب وهي القادرة على الخروج من حومة الوغى الخاسرة والتي لم يدفع ثمن حماقاتها إلا الناس الأبرياء والضعفاء الذين لا يستطيعون الاختباء خلف متاريس صماء ولا مناطق خضراء· فلسطين تعاني ولبنان يقاسي والعراق يزحف تحت أثقال وأحمال من الجراح والهموم·· نقول الأعداء كثر ولكن الأصدقاء أكثر والذين يسومون الأوطان سوء العذابات هم من أهلها ومن طينها ومائها، لذلك لا يمكن لوطن أن يتعافى أو يتشافى من علة الانقضاض من الخارج طالما سكن المرض في قلوب أهله واستوطن الخراب في نفوس أبنائه·· فلن يصح لبنان ولن يشفى العراق ولن تتعافى فلسطين طالما قرقعت سيوفها الحقد والنزعات بين أبناء الوطن الواحد وتغلبت الخلافات المذهبية والطائفية على مصالح الوطن ومقدراته وطموحاته كوطن واحد يضم الجميع ومن أجل الجميع يرقى وينهض· يظل تفاؤلنا يافعاً ساطعاً ولن نركن إلى التشاؤم طالما وجد هناك صوت واحد في هذا الوطن الكبير خير ونقي صفي من شوائب الأنانية والذاتية· فالعراق بحاجة إلى أبنائه الأوفياء الذين يرفعون راية نصره على الهزيمة ويعيدون إليه رغبته في الحياة وطموحه إلى بناء عراق حضاري متقدم متصالح مع نفسه·· ولبنان يقف منتظراً أولئك الذين سيصرخون في وجه التفتت والتشتت ليعيدوا له نسيجه الرائع والناصع·· وفلسطين ما تعبت بعد بل وما زالت ترفع الصوت عالياً في وجه الذين غيروا اتجاه البوصلة من حرب ضد المغتصب إلى حروب داخلية تضيف إلى جراحاتها جراحاً وآلاماً ترهق وتهرق وتسحق وتمحق ما تبقى من جدران الصد والرد على عدوان من احتل واستل الحقد والضرر· ما يزال التفاؤل يملأ قلوبنا بأن تنقشع غيمات الخلافات والانشقاقات والتشققات في الجسد الواحد لأن الأرض حبلى بالأوفياء والنجباء الذين يترفعون عن كل ذات أو مصالح شخصية·· الأرض لا تزال خضراء رغم يباب بعض القلوب، هذه الأرض جديرة بأن تستعيد ذاكرتها وتعيد ترتيب مشاعرها وتهذيب تصرفات من شذوا وانحرفوا عن قاعدة الحب للوطن أولاً والتضحية من أجل تفوق الاختلاف والاسفاف والاستخفاف· متفائلون لأن الحضارة والقيم الإنسانية التي ترعرعت على هذه الأرض جديرة بأن تستعيد المجد والعهد وأن تروغ تلك الشرارات الطارئة التي تطايرت هنا وهناك·· جديرة بأن تفسح الطريق لوعي مغاير وشعور يجهض محاولات الاقتتال والاستبسال من أجل قضايا ثانوية، لا تقاس بثمن إذا ما قورنت بالقضية الكبرى·· قضية تحرير الأوطان من وغد وحاقد·