في ندوة ثقافية أقيمت في إقليم كردستان قال الشاعر أدونيس إن الثقافة العربية انقرضت، وإن العرب ينقرضون كما انقرضت ثقافات وحضارات قديمة مثل السومرية، والبابلية، والفرعونية.. ويضيف أدونيس: لو اجتمع الأوروبي والأميركي والعربي على طاولة واحدة فلن يقدم العرب شيئاً.. وفي سياق هذا الحديث يجدر بنا أن نسأل الأستاذ أدونيس: إذا كانت الحضارة العربية لم تقدم شيئاً، وأن العرب انقرضوا حضارياً، فمن أين جاء هو، وبأي لغة يتحدث، ومن معين أي ثقافة يغرف؟.. لم يسأل أدونيس نفسه من اين جاء هو.. أو هو من عالم آخر.. أي من المريخ مثلاً.. في تصوري أن عقدة النقص والإحساس بالدونية عندما يصل فصلها إلى نحر المثقفين فإنها كارثة.. وجلد الذات هذا تعبير واضح وصريح عن إحساس أدونيس وكثير من المثقفين العرب الذين تاهت بهم السبل ولم يعد انتماؤهم إلى شيء إلا إلى الفراغ.. فمن واجب المثقف أن يكون له رأي مستقل، وأن يكون له موقف من الحياة، ولكن عندما يصبح الرأي مجرد طنين الذباب، والموقف ككثيب الرمل، فإن المعضلة عصية على الحل.. أدونيس خلط بين موقفه السياسي من نظام ما وبين إحساسه بقيمة الحضارة العربية، فهذه الحضارة العربية التي ينفي أدونيس دورها الإنساني هي التي أنتجت العلامات الثقافية البارزة، وأدونيس إحد العلامات الثقافية التي لها الحضور في وجداننا ويؤسفنا جداً أن نرى هذا الغصن الرفيع ينكسر لمجرد إحساسه بإحباط سياسي من نظام معين، ويحزننا جداً أن نسمع كلاماً من شاعر نكنّ له الاحترام، ويعتبر إحدى المدارس الشعرية ذات الشأن والفن ويؤلمنا أن يتفوه مثقف كأدونيس بجمل خارجة عن النص الشعري، ذات الشأن الحضاري العربي الذي شرب منه أدونيس وغيره، ومهما حاول أدونيس أن يرضي الآخر على حساب الحضارة التي جاء منها ونشأ على ضفافها، فإن ذلك لن يكسب أدونيس غير استهجان الآخر له والاستخفاف به.. فمن تهن عليه نفسه، يستهن به الناس ومن لا يحترم نفسه يحتقره الآخر.. فإذا أراد أدونيس أن يفكر بعلاقة سوية وندية مع الآخر عليه أن الحضارات لا تندثر وإنما يندثر ويزول كل من يعتقد أنه باحتقاره لجذوره يصل إلى العالمية. وإذا كان أدونيس قد نفض يديه من الحضارة العربية فلماذا لا يزال محتفظاً بمسماه «التراثي» دون أن يعود إلى اسمه الحقيقي علي أحمد سعيد. آخر البوح.. مأساتنا في أنفسنا وليست في الآخر. والمعضلة الكبرى في الكبار عندما يصبحون صغاراً أمام الآخر.