تطرح ثنائية الصدام المتوهم بين الشعر والرواية، سؤالا مركبا هو: ألم تكن هناك من الصفات التي تميز الرواية، ما يندرج ايضا في قلب العملية الشعرية، على سبيل المثال القول عن قدرة الرواية على التقاط الأنغام المتباعدة المتنافرة المركبة أو الطبيعية البوليفونية التي استعارتها من الموسيقى ودمج الأصوات في بنية متساوية بحسب كونديرا الذي يستعيد في سياق تأملاته حول البوليفونية، الجملة العزيزة على السوريالية، ''لقاء آلة الخياطة مع الشمسية''· على طاولة الثيمة نفسها؟· ويعلق كونديرا أن البوليفونية الروائية شعر أكثر منها تقنية· واذا كانت الرواية فن الطبقة التي تولدت من التغيير وفي فضاء المكان الذي كان ساحة هذا التغيير، صحيحا نسبيا· فما مدى صحة كون الرواية العربية حصرا، فن المدينة العربية التي تدخل عالم التصنيع ؟ هل هذه المدينة كذلك بعد سيرورة التدمير المستمر للبنيات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، وبعد أن تريفت وقُمعت طموحاتها ومشاريعها النهضوية والحضارية ؟ أليس انكسار المعنى والحنين والهزيمة والتقهقر وتبعثر أحلام الجماعة وتشظيها، قوام بناء المدن والاجتماع، أليست ثيمات هذه الرواية وفضاءها الواسع؟ أليس انحدار الأزمنة ـ كما عبر فيصل دراج في بحثه الرائع حول الرواية العربية ـ شرطا أعطى رواية دون أن يعطي العلاقات النظرية المرتبطة بها والتي تحتضن المجتمع المدني والفردية الطليقة والاجتهاد المفتوح؟ لم يصل جابر عصفور في بحثه واستقصائه لأهمية الرواية في التاريخ الأدبي الراهن عربيا وعالميا ومكانتها في هذا التاريخ، لم يصل الى اقصاء الشعر وتحجيمه· وهو في غمرة حماسه للرواية لم يخنه ذكاء الناقد الكبير ولم يصدر حكم قيمة سلبيا على الشعر، في ضوء صعود الرواية كما فعل آخرون بخفة دم لا تضاهى· الاستاذ محمد برادة، في العدد نفسه من مجلة فصول، يواصل نقاش أهمية الرواية في المشهد الأدبي القائم اذ يقول وأفق الرواية المشدود الى القرن العشرين وهبها فضاء مفتوحا،· قادرا على امتصاص أجناس تعبيرية متعددة لكن برادة على قدر غير كبير من التفاؤل والاطلاق، اذ يواصل في دراسته ما اعتور طريق الرواية وصعودها مما شكك بمكانتها في تبوء سدة الفنون الأخرى خاصة في الفترة الأخيرة ـ والفترة الأخيرة لبرادة حين كتب هذه الدراسة ما يناهز العقد من الزمن ـ حيث برزت وسائل تعبير أخرى تقوم على التخييل والتشخيص ـ حسب تعبيره ـ مثل التلفزة والسينما والأشرطة المصورة والمسرح وجميع أنواع الفرجة ويستنتج محمد برادة أن الرواية لا يمكن أن تكون بمنأى عن منافسة أجناس أخرى قديمة وحديثة·