ما نريده هو ميثاق شرف بين الجمعيات ذات النفع العام والمؤسسات الوطنية ذات الصلة بالثقافة والفكر، ميثاق يضع الجميع أمام مسؤولياته الوطنية المناطة به ويؤسس لاستراتيجية ثقافية مدروسة تنهض بالإنسان وبثقافة البلد ، وتعمل على إيجاد الأرضية المشتركة بين جميع المؤسسات الأهلية والوطنية، فلم يعد العالم يحتمل عشوائية الطرح ولا غوغائية التناول للمنجز الثقافي، وإذا كنا نريد أن نقف أمام العالم بقلوب صلبة وإرادة صلدة وعزائم قوية راسخة وشامخة، لابد أن يعي من تبوأ مواقع متقدمة في الجمعيات الأهلية أن دوره لا يتوقف عند الاحتفالية الطارئة، ولا عند الهموم الإدارية ذات الوقع الروتيني المرتبك، ولا الانشغال بقضايا لا تمت إلى الهم العام بصلة، نحن نحتاج إلى هذه الجمعيات وأكثر ما نحتاجه إلى قوة تأثيرها في النسق الثقافي، فاليوم ما نواجهه هو حوار الثقافات، ولا مكان للثقافات النائمة، المسترخية عند سواحل الكسل المستلقية عند سفوح الخجل المتوارية، المختبئة في جيوب الانطفاء والانكفاء والانزواء بعيداً عن الفعل والتفاعل مع الآخر، وخير فعل تقوم به هذه الجمعيات هو التعامل مع ثقافة البلد بمسؤولية وبهمة السواعد التي لا يتعبها موج ولا يرهقها فوج، بل الشراع والمجداف لهذا القاسم المشترك الذي يجمعها الإنسان على أرض الإمارات· نريد لهذا الحلم أن يكبر وتكبر أجنحة نوارسه، وتتسع الحدقة إلى ما هو أبعد بكثير من جدران هذه الجمعيات وأن يتضح البوح ليصبح قدحاً تتضوع منه مسام عشاق الكلمة وأبناء الضاد، وحبر النون والقلم، نريد للأمنيات أن تتحدى العقبات وأن تتجاوز حواف الانتكاسات وأن تغدو فوق كل شخص وذاتي، لأن ثقافة الوطن ومنتجها الحضاري وتد وسند وصمد الإنسان ولأن إنشاء أي جمعية لم يكن الهدف منه إيجاد الشغل لمن لا شغل له، وليست هي مواقع للهرج والمرج، وسرد الحكايات والغوايات والنوايا الحسنة· الجمعيات هي منجز حضاري وإنساني ينبغي أن يتماهى هذا الإسم مع الفعل، ومع الطموح والأمل، فإذا كان أصحاب الأقلام يبعثرون الحبر في زوايا معتمة، وينثرونه اليوم خلف كواليس مظلمة، ويطمسون الفكر تحت أعشاب شوكية مؤلمة، ويكتبون الرأي في الخبايا والزوايا المستسلمة، فمن ذا الذي سيمنح للإنسان حقه في النمو والتطور، والخروج من شرنقة البيات الحياتي·· من سيهب الإنسان حقه في مواصلة الطريق نحو الآخر ومن أجل التنامي المعافى المشافى من صهد الانكسار والاندحار وتخثر الدماء الثقافية·· من سيشرع للإنسان الأبواب ليطل من خلالها على فيافي وخمائل تحتفل بالنبت الحي وتحتفي ببذوره· القيم الإنسانية نتيجة تراكم، والتراكم لا يبنى إلا بخوض التجارب بعلمية وموضوعية، بعيداً عن سذاجة التعاطي وجاهلية التواصل مع المنجز الثقافي، القيم الإنسانية لا تقوم ولا تستقيم بالأمنيات، وإنما بالأعمال والأفعال الجادة والسائدة في أذهان من يتصدون للعمل في الجمعيات ذات النفع العام· نريدها جمعيات نفع للعام، وردعاً للخاص، ومقاومة حقيقية ضد الأهواء والأنواء، والأرزاء الذاتية·