عندما عرفت خبر فوز بهاء طاهر بجائزة بوكر العربية فرحت له، ولكني لم أستغرب النتيجة، فبهاء أكبر المرشحين من أصحاب الروايات التي تكونت منها القائمة المختصرة، سواء كنا نتحدث عن السن أو الخبرة الإبداعية أو التميز الخاص الذي انطوت عليه روايته ''واحة الغروب'' في سياق رواياته التي وضعته في الصف الأول من كتاب الرواية العربية وقد قرأت أغلب ما كتبه بهاء طاهر من روايات، إن لم يكن كله، وكنت دائماً أدهش من قدراته الاستثنائية على فتح آفاق جديدة، والمضي بجسارة للكشف عن كل ما يظل في حاجة إلى الكشف، سواء في عوالم الشعور، أو في آفاق الحياة العربية التي تميل نحو الغروب، فيشحب فيها الضوء، ويسدل الستار على الأماني القومية القديمة، مقابل أن ينفتح ستار جديد عن عوالم القمع التي أخذت تعصف بالحضور القومي العربي الذي تجره، يوما بعد يوم، إلى قرارة القرار من رمال متحركة من الهزائم التي انغرس فيها ولذلك لم يكن من الغريب أن ينتهي أبطال الروايات الأخيرة لبهاء إلى انتحار الأبطال أو موتهم الفاجع الذي هو علامة على غروب الزمن الذي كان يبرر بقاءهم، وانهيار القيم التي كانت تمدهم بالقدرة على المقاومة، و''واحة الغروب'' خير مثال على ذلك، فهي تبدأ من حيث انتهت رواية ''الحب في المنفى'' حيث الموت الذي رسم خط النهاية، والقمع الذي صاغ بناء الرواية، والاضطرار إلى المنفى الاختياري الذي يوازي الموت المعنوي للبطل وكل ذلك موجود في ''الحب في المنفى'' التي تنبني روائياً على معلومة تاريخية، عن ضابط اشترك مع العرابيين في الثورة على الخديوي الخائن والإنجليز الغزاة، فنفاه الحكام الجدد إلى الواحة التي هي أقسى المنافي على من تعود حياة المدن، ويرحل الضابط إلى واحة سيوة، فيجد من أشكال القمع الذي يقع من أبنائها على نسائها وفقرائها، ما يجعل من قمع الواحة صورة مرآوية للقمع الذي تركه في القاهرة ولا تنجو من الرمال المتحركة لهذا القمع الزوجة الإنجليزية التي أصرت على الحياة مع زوجها في الواحة المنفى، وتلك ثنائية موازية لثنائية الحب الموجودة في الرواية السابقة، ''الحب في المنفى''، ولكن الجديد هنا أن الثنائية تتحول إلى ثلاثية، فالزوجة الإنجليزية كاترين تستضيف أختها، كي يكتمل المثلث المحكوم عليه بالدمار في النهاية· وكعادة بهاء، يمتزج الحاضر بالماضي، والعكس صحيح، وذلك بما يجعل من الحياة في الواحة، في أعقاب انكسار الثورة العرابية، صورة موازية للحياة العربية، بعد الانكسارات الكثيرة والهزائم العديدة التي لا تزال جاثمة كأنها تلال الرمال التي تحيط بالواحة كأنها تخنقها وتخنقنا معها نحن القراء الذين نتحد وأبطال الرواية في مأساتهم التي هي مأساتنا·