جمعية أبوظبي التعاونية تقرر بيع السلع الأساسية بسعر التكلفة، والخبراء يقررون ألا حل لمشكلة التضخم لأن الارتفاع في الأسعار يأتي من دول المنشأ·· فهل هذا يعني أن العالم مقبل على مجاعة قد تسبب كوارث اقتصادية واجتماعية؟ القضية ليست سهلة، ولا هي موضوعا بسيطا يمكن حله عن طريق جمعية أو هيئة أو حتى دكان··، القضية بدت عصية على التفكير، ولذلك فهي بحاجة إلى تدخل فوري وحاسم، وجازم، وجاد لا يقبل التسويف أو التأجيل، لأن الشعور بعدم وجود حل يدخل الناس في نفق مُظلم معتم، لا فُسحة فيه للتنفس، ولا فرصة فيه لرد اعتبار رواتب الموظفين الذين هم الضحايا الأول الذين تصل إلى أعناقهم تلك الصقال القواطع من الأسعار الملتهبة، والمتشظية من شديد الارتفاع، والارتفاع الذي لا حدود له، ولا سقف له ولا شاطئ له· لابد من قوة تدخل سريع تعنى بشأن الناس المتشظين بهذه الارتفاعات التي لا تهبط، ولا علاقة لها بالجاذبية الأرضية، هي فقط تحلق وتهيم وتقيم في الفضاء بمحركات نفاثة وجبارة ليبقى المستهلك المسكين بين فكّي كماشة، عين على السلعة التي يُريد وعين على المحفظة التي تندس في جيب دشداشته خجلى، وجلة من هذا الحمق، والمحق، والسحق، الذي لا يرحم، ولا يفهم معنى للقيم الإنسانية وشرائعها السامية، وسيظل هذا المستهلك في دوامة الاقتراحات، والافتراضات، والتحليلات، والتفسيرات، ولقمة العيش لا تحتمل كل هذا التأويل والتهويل، لقمة العيش تحتاج إلى قرار سريع، ومنقذ يزيح عن كاهل الناس هذا الضيم، وهذا الغيم، وهذا الإظلام المتعمد من قبل تاجر يعمل بأيد خفية لا تراها الأعين ولا تحسها الجيوب· والقرارات الجزئية ربما تصبح مسكناً لمرض عضال لكنها لن تجتث جذوره، ولن تزيله من الجسد، لذلك فالعمليات الجراحية العاجلة لعقول ماهرة تعرف أين مكمن الألم هي الحل·· حل يرفع عن الناس كل هذا الإحساس بالعجز والانكسار أمام سلع غذائية يرونها ولا يستطيعون لمسها، يتفرجون عليها ولا يمكنهم شراؤها· قضية الغذاء مسألة حياة أو موت، مسألة مصيرية لذلك يجب أن يأتي التدخل بأيد نافذة تستطيع أن تلجم كل طالع وضالع في الطمع والجشع، وربط مصير الناس برغباته التي لا رادع لها ولا وازع· الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن كلام الخبراء عن الارتفاع الجنوني للأسعار يأتي من دول المنشأ، فإن هذه اللغة التعجيزية ما هي إلا معاول هدم ورم الرمل على رؤوس الناس الذين ينتظرون الحلول، ونقول: إن الحلول لن تأتي بأيدي الخبراء فقد شبعنا تحليلاً وتأويلاً، نريد أن يأتي الحل من صلب هذا المجتمع ومن عيونه، وآذانه، التي ترى وتسمع وتتألم لما يعانيه الإنسان على هذه الأرض·· نريد الحل يبتعد كثيراً عن أعين الذين يلعبون بالأرقام كما هي اللعبة في الشطرنج، نريد الذين يبحثون عن الحل، الذين يعيشون حياتنا وآمالنا وأمنياتنا ولا أحد سواهم·· نريد أن يأتي الحل من أعلى ليتطاول على هذه الارتفاعات التي عانقت كبد السماء وما عاد الفقير يستطيع أن يلمسها·· نريد الحل ·· والحل السريع، الذي يقطع دابر هذه الظاهرة المرضية·