بالكاد لا يمر شهر دون أن يحل لي كوان يو مؤسس ورئيس وزراء سنغافورة السابق على منطقتنا الخليجية، تجده ضيفا فوق العادة في دبي، متحدثا في ملتقى بابوظبي أو المنامة او الرياض، يقدم خلاصة تجربة في ادارة وحكم جزيرة كانت الى وقت قريب مجرد مستنقع استوائي، تستوطنه الهوام والبعوض والملاريا، فجعل منها نمرا من نمور آسيا الاقتصادية ومركزا دوليا للاستثمارات العالمية، وغدت تجربة نسيج نفسها في ميادين شتى· وبات اسم الجزيرة رديف الكفاءة والجودة والنظافة واحترام القانون· وينعم مواطنوها بواحد من اعلى معدلات دخل الفرد في العالم، اما عن مستوى الرعاية الصحية والتعليم، فالحديث له اول وليس له آخر· هذه إنجازات تخلد صاحبها في أسفار التاريخ، وبمفاهيم العالم الثالث تمكنه من البقاء - دون منازع أو محاجج - في الكرسي حتى يسترد الله أمانته· ولكن الرجل آثر التقاعد طائعا مختارا، واكتفى من الحكم بلقب أسبغه عليه تلامذته ومريدوه وهو لقب ''الوزير المرشد''، ليكون ناصحا أمينا لهم وهم يواصلون نهجا أصبح اليوم مدرسة بحد ذاتها، وراح يطوف العالم شرقا وغربا يقدم عصارة تجربة في الحكم والحياة، لخص مراحل مهمة منها في كتابه الشهير ''من العالم الثالث الى العالم الاول''· في ثقافتنا العربية·· الإنجازات ولو كانت في جمعية ذات نفع عام مبرر لكي يطلب صاحبها البقاء في كرسيه إلى أبد الآبدين، رافضا اصوات التغيير أو إدخال دماء جديدة الى دورة حياة هذا المكان أو ذاك، فالحبيب حقق انجازات يذل بها اصحابه في كل تقرير سنوي، وبعد قراءته عليهم البصم بالعشرة له بالتمديد، والويل والثبور وعظائم الامور لمن يجرؤ على طرح فكرة التغيير، فصاحبه مخرب مدسوس، تفتح عنه الملفات والأضابير، وتبدأ حرب شعواء لا تركز على مناقشة حيثيات المطلب، بل تخوض في توافه أمور شخصية للغاية، دون إتاحة الفرصة لصوت رشيد أن يرتفع وهو يدعو للترفع عن صغائر الأمور، فالأمر يخص نفعا عاما أولى قواعده العطاء بكل تجرد ونكران الذات لأجل الصالح العام فلا مغانم أو مكاسب تستوجب إطلاق داحس وغبراء إلكترونية، وكان الله في العون!