في إحدى زياراتي إلى ألمانيا حللت ضيفا على أسرة ألمانية لبضعة أيام في مدينة كولن أقصى غرب البلاد قرب الحدود مع هولندا، كانت الأم على مشارف السبعين تقريبا تنطلق كالغزال بدراجتها صباح كل يوم إلى محل تشرف عليه ، ويهرع الأب مع ابنته الثلاثينية بعد إفطار سريع ليلحقا بالحافلة العامة التي توصلهما إلى أقرب محطة قطارات الأنفاق لينطلق كل منهما إلى عمله بعد أن يكونا قد حددا لي اتجاهي إلى حيث أرغب على الخريطة، ورقم الحافلة والقطار الذي يجب أن استقلهما إلى غايتي، أما الابن فقد كان يتأخر لأن عمله يبدأ بعد الظهر · في الأيام الأولى كنت أستغرب هذه العجلة والإيقاع المتسارع لحركتهم الصباحية ، وعدم وجود سيارة خاصة بكل منهم رغم بحبوحة العيش التي هم فيها، في بلد يعد الثالث على مستوى العالم اقتصادا وإنتاجا للسيارات· وفي أول يوم عطلة أسبوعية اصطحبوني إلى مرآب يبعد عن المنزل بضعة أمتار ، وهناك وجدت أن للأب سيارة فاخرة، وللابنة أخرى غاية في الأناقة، وللابن دراجة بخارية من نوع فخم جدا· ولأنني معهم قرر الجميع أن نتحرك بسيارة الأب الواسعة والوثيرة في رحلة إلى خارج المدينة· كنت مشغولا بالمناظر والمشاهد الجميلة الرائعة التي نمر بها ، ورغم ذلك كان التساؤل الكبير يقفز أمامي عن سر زهدهم في استخدام السيارات!· هل هو الوعي فقط أم ارتفاع تكاليف ملكية واستخدام السيارة ؟ هذه الواقعة أهديها لكل أولئك الذين استهجنوا وانتقدوا ما جاء في زاوية أمس الأول من تأييد لخطوة هيئة الطرق والمواصلات بدبي في تشجيع النقل والانتقال الجماعي لموظفيها، وحثها بقية الدوائر والمؤسسات على التفاعل مع هذا الاتجاه الذي ربما يساهم في التخفيف من الاختناق المروري الذي تعاني منه الإمارة· للأسف توجد بيننا عينة من البشر لو أُتيح لها الأمر، لأرادت الوصول إلى داخل غرف النوم بالسيارة، وغير مستعدة على الإطلاق للسير بضعة أمتار للوقوف الصحيح، ثم بعد ذلك نتساءل لماذا تدلت الكروش أمامنا بهذه الصورة ،وانتشرت السمنة والأمراض المترتبة عليها بهذه المستويات القياسية؟!