قبل وبعد انتخابات جمعيتنا الموقرة، جمعية الصحفيين، وصلت الخصومة بين المترشحين الأعضاء إلى درجة العداء، وصالت الكلمات النابية وجالت والتهبت مساحات ''الإنترنت''، بفـظائع وفضائح، يندى لها جبين كل عاقل، الأمر الذي يجعلنا نقول لأحبابنا، ما هكذا تورد الإبل، ولا هكذا يمكن أن تؤسس الديمقراطية في جمعية يفترض أنها القدوة والمثال والنموذج الذي يحتذى به، فمن سمع وقرأ ما بث وما نفث من غث الكلام وسيئ الألفاظ يقول ماذا ترك هؤلاء المبجلون المحترمون وقادة الرأي وأسياد الكلمة لغيرهم ممن يسومونهم ليل نهار بسياط الاتهامات، ماذا ترك هؤلاء النجباء لسواهم عندما يهبطون من علو القيم إلى سحيق السباب والشتائم والقذائف الصاروخية عابرة القارات والعادات، ماذا ترك هؤلاء الأسوياء لمن عداهم عندما يخوضون معاركهم الديمقراطية بنيران أشجان تعهدت وتشظت حتى وصل الأمر ببعضهم أن ينشر الغسيل على حبال الإسفاف والاستخفاف بأبسط معاني الخلاف في الرأي، فصار الحوار خواراً، ودواراً، وأسواراً حجبت الرؤية أمام البعض فلم ير إلا نفسه وكأنه نرجس الذي جاء في الأسطورة أنه طالع صورته في ماء البئر فرآها ضخمة وشامخة فقال ''أنا ربكم الأعلى''·· والمشهد يتكرر عندنا بين أعضاء جمعيتنا، فكل واحد من هؤلاء يرى نفسه ولا يرى الآخر فيتورم ويتضخم ويزدحم بالأهواء والأرزاء والأدواء حتى صار ورما خبيثاً في حد ذاته، أمر مزرٍ و مؤسف أن تتحول المنافسة الشريفة إلى معارك مسفة تطبع صورة في ذهن المتابع أن قادة الرأي عندنا هم أشبه بقادة شيء اسمه الرعي، فكل مرشح يريد أن يسوق قطيعه باتجاه مضاربه ومن يشذ ويعصي العصا المرفوعة يلق من التجريح والتبريح ما يدمي القلب ويغري الروح، ويشخب الجسد· نقول لإخواننا وأحبابنا إن المتعالين على الآخر هم أرانب مذعورة تخشى ولا تخيف، وتأكل من زمانها ولا تضيف فليست هذه هي الديمقراطية ولا هي هذه الانتخابات الحرة، فلا يمكن لصوت أن ينطلق بحرية وهو مكبوح، ولا يمكن لإرادة أن تحقق ذاتها وهي مقموعة ولا يمكن لعزيمة أن ترتفع وهي تقع تحت ركام من التخويف والتسويف والتجديف بالمعاني حتى أصبحت زبداً تذهب به ريح الحماقات وعصبيات بني قريش وهستريا تزهق الحق وتزين الباطل وتأتي بالعاطل ليماطل ويجادل، ويخاتل، ويحتال على العباد والبلاد·· نقول لإخواننا، الجلوس على منصة التتويج في انتخابات جمعية ذات نفع عام لا يقبل المساومة ولا مقاومة الحقائق، فالوصول إلى هذا الموقع يحتاج إلى قلوب تحررت من الضغائن، وإلى نفوس، تخلصت من الشحناء والبغضاء، وإلى أذهان صافية زاهية بأعشاب الحب، والتصالح مع النفس أولاً، وقبول الآخر كطرف يضيف ولا يخيف، يعضد ولا يحقد، يجبر ولا يكسر، يزيد ولا يميد، يمنح الحب، ولا يشيع الكرب، ويقف كتفاً بكتف لتبقى الجمعية فعلاً جماعياً، اجتماعياً يواكب حركة المجتمع في تطوره وتطلعه إلى مستقبل مشرق متألق ببريق عطاء أبنائه في جل ميادين الحياة، وخاصة أن جمعية مثل جمعيتنا يُنتظر منها الكثير، ومن أعضائها الأجلاء أن يكونوا علامة إسهام لا علامة استفهام، وتعجب واستنكار واختيار الطرق الوعرة المستعرة بشظايا القذائف المتوترة· نتمنى من أعضاء جمعيتنا ومجلس إدارتها الجديد أن يكونوا بمستوى المسؤولية وأن يتوخوا الحذر من الانزلاق في متاهات معتمة مظلمة تقود الجميع إلى فراغ المرحلة، نتمنى من هؤلاء أن يحترموا هذا الموقع وأن يضعوا نصب أعينهم مستقبل الكلمة، وأن يضيعوا الفرص السانحة على كل مغرض وصاحب هوى وأهواء أن يخوض في المياه العكرة، نريدها دوماً مياهاً صافية متعافية من أدران الحساسيات الفردية ومن براثن الأغراض الشخصية لأن الجمعية ملك للمجتمع لا لمجلس الإدارة أو أعضاء الجمعية العمومية فحسب· نريدها صوتاً لا سوطاً· نريدها عصا موسى، لا عصا فرعون··