صاموئيل شمعون رجل بحجم مؤسسة، ومن يتابع مجلته ومشروعاته الثقافية التي يطلقها من لندن يدرك معنى هذا الوصف· صديقنا صاموئيل أثار عاصفة نقدية، لم تهدأ بعد، حينما كان يعلن عن قائمة الترشيحات لجائزة ''البوكر'' العربية بوصفه رئيساً للجنتها التحكيمية، وكل تلك الانتقادات تبدو صحيحة، خصوصا وأن المتهم لم يوفق في الدفاع عن نفسه وجائزته، فقد، أفحمه ناقد عربي كبير عندما ضبطه لحظة الإعلان عن الجائزة وهو ينتعل حذاء رثاً رخيصاً من ''الكاوتش''· وكان رد المتهم المتلبس ''بجريمته'' بأن حذاءه ليس رخيصا، إذ يبلغ ثمنه 120 دولاراً، من دون أن يبرز فاتورة تؤكد صحة ادعائه، على الرغم من أن هذا الرقم لا يمثل حيثية معتبرة في عالم الأحذية الراقية· وبالتمعن في الصورة التي تضم مستندات الاتهام، يبدو حذاء صاموئيل وكأنه من تلك ''الماركات'' التي يستخدمها لاعبو كرة القدم من أمثال بيكهام ورونالدو ورونالدينهو· ولو تنبهت الشركات المصنعة لتلك الأحذية لأهمية ''نجوم'' الثقافة في الترويج لمنتجاتها لكانت استثمرت أكثر الكتاب العرب ـ والنقاد أيضا ـ في إعلانات تلفزيونية مغرية· ثم لو كان ناقد صاحب الحذاء موضوعيا في نقده، لكان عليه أن يجري دراسة مقارنة مع قصة ''حذاء الطنبوري'' وهي قصة ذات مغزى من موروثنا الشفاهي البغدادي، يوم أن كانت بغداد مصدراً للحكايات التي تروى بشغف، لكن، الناقد ابتسر ما تيسر من مطالعته، لكي يصل إلى خاتمة تشبه خاتمة شجرة الدر بأيدي جواري المماليك وقباقيبهن· وهي ـ على سبيل الدراسة المقارنة ـ تشبه القباقيب التي اخترعها الفنان القدير دريد لحام لشخصيته الأثيرة ''غوار الطوشة''· المهم، نستطيع أن نخرج من هذه العاصفة النقدية بقيمة جمالية مضافة إلى ثقافة الأحذية، التي تنبه إليها الصينيون منذ فجر حضارتهم وينابيعها الفلسفية الساحرة، فقد أخذ أحفاد كونفوشيوس نساءهم بالإضطرار والاختيار، لكي ''يقولبوهن'' في مقاييس جمالية تثيرهم· وأهم تلك المقاييس هي صغر حجم أقدام النساء، وللوصول إلى المقاس المرغوب، كانوا ''يحشون'' أقدام الصغيرات في أحذية أصغر من مقاسات أقدامهن، ما يتسبب لهن بآلام مبرحة لكنهن في نهاية المطاف يفزن بقلوب الرجال بواسطة أقدامهن النموذجية· لا شك أن تلك المعايير الجمالية كانت تتحكم في الجدل النقدي الذي رافق الإعلان عن جائزة البوكر العربية، لكننا حتى الآن لم نعرف إلى أي مدرسة تنتمي النظرية التي استند إليها الجدل: هل هي البنائية، أم التفكيكية، أم أنها تنتمي إلى ما بعد، ما بعد الحداثة، بحسب اللغة التي نشأت خلال حرب تموز 2006