لفؤاد التكرلي في ذاكرة السرد العراقي موقع خاص أخذه الرجل بدأبه وجرأته وحداثته ورؤاه المتقدمة، وبذا سيكون له رجع قوي وراسخ في المسيرة الروائية والقصصية العربية لا ينقضي أو يخمد برحيله الفاجع عن عالمنا، فقد تهيأت للتكرلي وتحكمت في حياته تناقضات خلاقة أفلح في استثمارها ليكون الكاتب فيه أشبه بآخر يقوده ويوجهه، فهو في أعماله ليس القاضي أو القانوني كما شاءت أقدار عيشه أن يكون، بل نجد أبطاله وبطلاته يتمردون على ما رتبت لهم الحياة، ولا يقتنعون أو يقنعون بما أوتي لهم، وما استقرت عليه حيواتهم وأفكارهم، فهم دائمو التحول والتغير ـ وتلك ثيمة تتكرر في أعماله وتجدر دراستها ـ دائمو السؤال عن جدوى أو معنى كل شيء، وهنا تكمن مبررات وصف أعماله بالجرأة التي ذهبت بعض التأويلات غير النصية إلى عدّها احتكاكا بالثوابت وتركيزاً على العلاقات المحرمة أو حدودها، فيما كان التكرلي يحفر في طبقات الوعي الإنساني، وما تحت الطبائع المعلنة من محرّكات، ولا يقدم أنماطاً أو شخصيات محددة الأبعاد، ففي قصته ''امرأة الصمت'' تتعاطف المرأة مع أخ زوجها الرسام المُقعد لا لأن المحرّم هو الباعث لذلك بل الدافع الوجودي الذي يجعلها تتأمل عجز الإنسان على الرغم من فتوته وشبابه، ثم نهايته التي تستعيد خطيئة قابيل إلى مخيلة البشر، وهكذا نستطيع ملاحقة رؤيته للتسلط والعنف السياسي عبر وعي ضحاياه والمشتغلين بالسياسة في الوضع العراقي في أشد لحظاته التباساً (في رواية ''الرجع البعيد'')·· لقد كان التكرلي يسارياً لا بالمعنى التقليدي للانتماء السياسي بالتبعية لإيديولوجيا مبرمجة ومقفلة على الجوانب الأخرى من الفكر، بل باستبطانه هموم الفرد في مجتمعات وأنظمة ومستويات معيشة تفتقر إلى العدل الذي حلم به قاضياً وجسّده كاتباً، كما تحرر بذلك الوعي المضاف من إكراهات طبقته فلم يكن متعالياً على الرغم من توافره على عادات الأسر المرفهة وتقاليدها الخاصة كما تعكسها (المسرات والأوجاع مثلاً)، بل كان إصراره على العامية لغة للحوار دليل حنين للانتماء للناس، وحتى اعتماد الفصحى لاحقاً دليل ديمقراطيته ومراجعته لنفسه· لقد كان الفرد هو بطل التراجيديا البشرية التي عكف التكرلي على استقصائها وتمثل أبعادها الوجودية ليصوغها ويعيد تمثيلها في كتاباته، وبذا تفرد بين جيله الخمسيني الذي شهد بدايات النضج الأسلوبي في السرد، كما عاش أكثر التحولات حدةً في حياة العراق السياسية والاجتماعية، ولكن جيله ـ كما يعبر أحد شخصيات ''المسرات والأوجاع'' ـ لم ينل ما يستحق من عناية، ربما لأنه لم يحسن التعبير عن نفسه في رؤية واضحة نظرياً·