زمان كان المشاهد العربي مرتاحا·· كل البطولات العالمية متاحة أمامه ولا يجد صعوبة في متابعتها وبشكل مجاني، أيام كانت مسألة النقل التلفزيوني تحظى باتفاق العرب على رأي واحد· وكانت هذه المسألة غريبة في حد ذاتها، بين كل الأمور المهمة والحساسة التي اختلف عليها العرب حيث شذت مسألة النقل التلفزيوني عن قاعدة التناطح العربي والتصارع وحظيت برأي عربي واحد عبر اتحاد إذاعات التلفزيونات العربية· هذا الموقف الموحد خدم مصالح القنوات التلفزيونية والإذاعية والمشاهد العربي في نفس الوقت، جميع القنوات العربية كانت تملك فرصة نقل أكبر البطولات وبأسعار مناسبة لان الموقف العربي الموحد وعدم التنافس على الاحتكار جعلاها في موقف الطرف الأقوى أمام البائع· والمشاهد العربي كان يملك الفرصة في متابعة أفضل البطولات دون عناء أن يتحمل أي نفقات والأكثر من ذلك يتابع البطولات التي يحب عبر الشاشة التي يحب والتي يفضل دون أن يفرض عليه محللون معينون أو معلقون بذاتهم· لكن هذه الأيام كما يعرف الجميع ولت إلى حال سبيلها واندثرت والموقف العربي الموحد من النقل التلفزيوني لم يشذ في النهاية عن قاعدة الاختلاف العربي وطاله مرض عدم الاتفاق والتصارع· وكانت المحصلة أن ما كان يحصل عليه العرب بأفضل الأسعار وصل الآن بفضل اختلافهم وتنافسهم إلى أرقام خياليه كما حصل في صفقة دوري أبطال أوروبا مؤخرا· ووصف الأرقام بالخيالية ليس من عندي ولكنه جاء على لسان مساعد الرئيس التنفيذي لشبكة راديو وتلفزيون العرب في تصريحاته المنشورة في ''سوبر'' في معرض تعليقه على خسارة القناة لحقوق البطولة أمام الجزيرة في رقم وصل إلى 200 مليون دولار· انه بالفعل رقم خرافي على الرغم من أن قناة الجزيرة الرياضية لم تؤكده مفضلة عدم التطرق إلى أرقام الصفقة ومكتفية بالإشارة إلى أن الرقم اقل من ذلك بكثير، لكني أجد صعوبة في تصديق الجزيرة لأنها تخلت عن الشفافية في هذه النقطة وفضلت السكوت متبعه أسلوب أنديتنا التي تملأ الدنيا ضجيجا مع كل صفقة تبرمها لكنها تلتزم صمت أهل القبور عندما يأتي الأمر على قيمة الصفقة· في تقديري أن سكوت ''الجزيرة'' دليل على أن الرقم ضخم بالفعل، لكن ما يثير السخرية أن من بدأ حرب الأسعار في الوطن العربي هم من أخذ يبدي استغرابه واندهاشه من المستويات المسعورة التي وصلت لها الصفقات· الآن فقط تستغربون بعد أن وصلت الأرقام إلى مستويات تفوق قدراتكم· لا تستغربوا لقد أطلقتم الشرارة في يوم من الأيام وجاء الدور على من زاد سعير النار، وفي النهاية نقولها بأسف: مبروك للأوربيين الوليمة الدسمة التي جاءتهم على طبق من ذهب·