الزوجة تعتقد أن زوجها على كل شيء قدير، بل هي كالطفل الصغير، تريد للأشياء أن تكون جاهزة، ومعدة سلفاً، حتى الابتسامة تريد من الزوج أن يكون حاضراً مستحضراً جل أفكاره معها، يلبي كل متطلبات العصر، حتى أحاسيسه فهي ليست ملكاً له، بل هي عصفور في قفص الزوجة تريده هكذا، مجندلاً بخيوط مشاعرها، مسربلاً، بأهداب أحاسيسها، فعندما تجلس قريباً منه تريد سمعه وبصره وخفقاته وسكناته، كلها جند مجندة، تنصت بإمعان واتزان لما تريد أن تقوله الزوجة حتى الثرثرة والقيل والقال، وما جادت ألسنة الجارات عن هذه وتلك، وعن هذا وذاك، وعن آخر الموضات والصرعات، وما توفر في الأسواق والمحلات· وعندما يتأفف الرجل ويضيق صدره ويكفهر فكره، ويعسر أمره، وينهض مفارقاً، حانقاً، متكدراً، متبرماً تسقط السماء على رأس الزوجة وتميد الأرض تحت قدميها، وتصفق الجهات أبوابها أمام عينيها، فلا تجد مجالاً للتنفيس إلا الصرخة المدوية في وجه من لا حول له ولا قوة· هذه حالات بائنة ومتفشية في عظام، وجلد مؤسساتنا الاجتماعية، فجهل المرأة يجعلها كطفلة لا تعي دورها، ولا تفهم ما هو دور الرجل، تريده هكذا طيعاً سهلا، وإن خاب ظنها نسفت وتعجرفت وخشن صوتها الناعم، حتى أصبح كالهدير وتحولت ابتسامتها الرقيقة إلى شر مستطير، منه يستجير الإنسان والشيطان·· جهل المرأة يجعلها السطو اليومي على مشاعر الزوج والأبناء ويجعلها الاحتلال البغيض لحرية من تشاطره السقف والأرض، فلا يملك حيالها سوى فك عقال الحكمة والانحياز تجاه الفوضى العارمة، وتوخي لحظة الهدوء والسكينة خارج المملكة التي أصبحت جحيماً بعد نعيم، يبحث عن شارع يؤويه، أو رصيف يحميه، من صهر النيران وشظايا الانفجارات الأنثوية، يبحث عن مقهى أو ملهى لا يهم، المهم أنه يفر بجلده وما تبقى من مشاعر إلى خارج دائرة الخطر، لعله يحظى بالمطر، أو نثات تبلل القلب الشظف· فلاشك أن على الزوج واجباً مقدساً، هو أن يثري المكان بالدفء والحنان وأن يلف الزوجة والأبناء برائحة الأبوة ومسند الاتكاء، لكن عندما يصبح هذا المسند أريكة للاسترخاء فقط، ولا دور له في الحياة غير توفير الرخاء فإن ميزان المؤسسة الاجتماعية لابد أن يميل وتميل معه الكثير من الثوابت وتنهزم الإرادة ويصبح العائل جداراً مائلاً، وراعياً متسولاً الفضيلة ممن لا يعرف سنن الفضيلة· لابد للزوج أن يعي دوره في حدود الممكن، ولابد للزوجة أن تتهجى معنى الدور حتى تستطيع أن تحصد ثمار علاقة إنسانية سليمة صحية معافاة من درن الخلل والزلل والانحراف نحو اتجاهات لا تحمد عقباها·· لابد للزوجة أن لا تفهم من صمت الرجل أنه تجاهل ولا من شروده أنه تناسٍ للدور، بل إن هذا الزوج إنسان له همومه، وله خصوصيته، إذا جهلتها المرأة أصبحت وبالاً عليه وعلى الأبناء، وصار البيت الذي يفترض أن يكون حضناً للوئام والسلام النفسي مجرد جحر صغير تتصارع في جوفه كائنات مذعورة يخضها خوف مجهول، وتهزها لعنة النوايا المتضاربة· فالزوجة هي القلب وهي الدرب، فإن عبست عزفت السماء عن بث المطر·