قبل أن تسن الحكومة القوانين وتشرع الأنظمة نحن بحاجة إلى قوانين ذاتية تردع النفوس الضعيفة من الانزلاق اللامحدود باتجاه الأسواق والمحلات التجارية·· نحن بحاجة إلى إرادات فردية تقف حائلاً دون هذا التدفق والسير بلا هوادة نحو شراء مبهم وغامض الغرض· فالعربات المشحونة بالغضب الكوني والعسف البشري تنذر بعواصف ونواسف مربكة لمداخيل الناس ولمصروفاتهم التي تذهب أدراج التجار وبدون أي مسوغ أو مبرر·· والسيارات التي تفتح حقائبها الخلفية كأجنحة النسور الجائعة تخطر المشاهد والمتابع لهذه اللهوجة بأن هناك طوفاناً من الشكوى والدعوى ضد الغلاء سوف ترتفع نبرته، وأن الصراخ من ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية سوف يصم الآذان ويسمع القاصي والداني، ولكن بعد فوات الأوان، وبعد أن تطير طيور التجار بأطماعها وجشعها ويوم لا ينفع صياح ولا نواح· فقبل أن تتم محاسبة التجار، فلابد من توفر الإرادة الشعبية والقناعة لدى الناس بأننا في بلد ينعم بالخير، فلا داعي لكل هذا الهلع، ولا داعي للهرج والمرج والاندفاع المجنون لشراء ما يريدونه وما لا يريدونه، لابد أن يفهم الناس أن كل ما يحتاجونه متوفر والخير جزيل، فلا داعي لأن نحيل المحلات التجارية وكأنها ساعة الحشر والنشر ولا داعي لاصطفاف كل هذه الطوابير والرائحة النتنة التي تزكم الأنوف، وتخنق الأنفاس·· ولا داعي لأن تقف السيارات مكظوظة في مسام ضيقة ويعلو الزعيق احتجاجاً على ندرة المواقف، أو عدم التزام البعض بقوانين المرور·· المسألة في حاجة إلى ثقافة جديدة تنمي روح القناعة وتمنح المناعة ضد الركض وراء سراب اسمه الشراء، نحن بحاجة إلى فلسفة شراء جديدة تعيد الناس إلى رشدهم وترفع من وعيهم، وتشفي صدورهم من غل اللهفة المصطنعة والمزروعة بفعل فاعل معلوم اسمه النفس الأمارة· نحن بحاجة إلى نظرة واعية إلى أحوالنا كي نتدبر أمورنا بفطنة ونسير أمورنا بحنكة ونمارس حياتنا المعيشية بحكمة المستقر المطمئن، الذي يأكل ليعيش لا يعيش ليأكل·· نحن بحاجة إلى وازع فكري يشذب تهورنا ويهذب طيشنا ويرتب مشاعرنا، تجاه ما نحتاج من حاجاتنا الدنيوية·· فالذي نشاهده يومياً في الأسواق يصيبنا بالصدمة ويستفزنا ويجعلنا نعتقد أننا على أبواب مجاعة والعكس هو الصحيح فما يتوفر في بلادنا من وسائل معيشية قد لا نجده في كثير من الدول حتى المتقدمة منها والتي شقت سمعتها عنان السماء·· فلماذا إذاً كل هذا الانحياز لفوضى الرغبات، والانحراف باتجاه العشوائية في الشراء·· ولماذا عندما نعجز عن أن نحقق ما نريد تحقيقه، وعندما يصبح الفأس في الرأس نبدأ في لطم الصدور والندب من عظائم الأمور، وندعو على التاجر ونطالب الحكومة بوضع حد لهذا السعار المدمر·· يجب أن نبدأ بأنفسنا وأن نبادر بصنع قرار الترشيد لنساعد أنفسنا ونحمي مصير أجيالنا ومستقبل أبنائنا·· ونعضد الحكومة في اتخاذ أي قرار يحمي مصالحنا·