سمعنا بالأمس تراشق الأطراف اللبنانية بنيران الألفاظ الحارقة، وبجمرات الكلمات الناسفة القاصفة لكل حل أو أمل يمكن أن يخرج منه لبنان الشقيق من نفق الفقدان والخسارات الكبرى· سمعنا بالأمس ما يصم الآذان، وتشيب له الولدان، وتتكدر له المحيطات والبحار والخلجان، وما يفري الروح ويثخن الجروح ويصيب الإنسان بالخذلان· مما يؤكد لنا أن ديموقراطية الفئات والأحزاب هي أسلوب جديد للحروب القبلية في وطننا العربي، بل إن القبيلة في ماضينا التليد كانت لها شيم وقيم وتقاليد، تضع خطوطاً حمراء لأي خلاف، أولاً سيادة الوطن·· نحن اليوم، وفي عالمنا العربي نخوض ديموقراطية جديدة ليس لها أي مثيل أو قبيل في العالم، ديموقراطيتنا أسلوب جديد لسمات شخصية ذاتية متورمة، متخمة بالأنا، متفحمة بكبرياء سوداوية بائسة عابسة· سمعنا بالأمس ما دار من ركلات جزاء، وكل طرف وضع الوطن هدفاً لغاراته وغزواته ونزواته، وكل طرف وضع المواطن نصب عينيه، واتكأ على مشاعره وعواطفه، قائلا: إن الوطن بل كل الوطن مواطنوه معي وضد الآخر·· وكل طرف عدد الملايين من اللبنانيين الذين يقفون في صفه، ولا ندري كم عدد سكان لبنان حتى يحصي هؤلاء المتصارعون الملايين التي تقودهم ضد غيرهم· معضلة الوطن العربي بل بعض الأقطار في الوطن العربي، أن الشخص الواحد يجد في نفسه ممثلاً للملايين دون استشارة، بل هي استعارة لضمير غائب، وانسان مغيب، محيد في كل الحقوق عدا التأييد الإجباري لشخص دون آخر· معضلة تعبر عن عجز فكري وعقائدي لدى من نصَّب نفسه قائداً ومقرراً لمصير شعب وسيادة وطن· سمعنا بالأمس التقاذف بأحجار الكلمات والاتهامات، وكل طرف يخون الآخر، وكل فئة تسحب المواطنة عن الفئة الأخرى، ونحن نسأل هؤلاء جميعاً·· أين لبنان من كل هذا الجحيم الملتهب؟ أين الكائن العاقل الرشيد الذي يستطيع أن يتنازل عن كل هذه الحماقات ويقول للآخر، للطرف المغاير، تعالوا لنجتمع على كلمة سواء، وننظر إلى لبنان بعيداً عن الاستناد على جهة من هنا وجهة من هناك· نقول لأحبائنا في لبنان: لن تستطيع الأيدي الغريبة والقريبة أن تتسلل إلى حياضكم لو وحدتم الكلمة وحيدتم الذات، وانحزتم تجاه الوطن، لا سواه، فلبنان بضيق جغرافيته، فهو الفضاء الأوسع والأرض الأروع التي تتسع للجميع، وتقبل بالجميع فقط، تخلصوا من الأيديولوجيات الضيقة وتحرروا من العقائدية المعتمة، فجل الديانات والملل والنحل هي وسائل وليست غايات، واذا لم تستطع هذه المبادئ أن تعبر بالوطن إلى بر الأمان وتأخذ بالمواطن إلى سلام ووئام وانسجام، فلا داعي لها·· لا داعي لوسائل لا تؤدي إلى غايات سامية، وليس أسمى من وطن يجمع على أرضه الجميع، يؤلفهم الحب ويؤمهم بناء الوطن وحمايته من كل سيء وسوءة· نتمنى على إخواننا في لبنان درء الخطر الداهم عن وطنهم بكل ما أوتوا من إرادة، وقطع دابر الفتنة بكل ما تمكنوا من عزيمة·· وهم أهل العزيمة والشيم، وهم أهل الكرامة والقيم·· نتمنى عليهم ذلك وقلوبنا مع لبنان لأن لبنان يستحق أن يعيش حراً جميلاً نبيلاً لا تشوبه شائبة التدخلات·