في إحدى السنوات·· وحينما كنت أسكن مع عائلة إنجليزية في لندن، اضطررت مرة أن أكون''بيبي ستر'' كجليس مسائي لابنهما جيسون، وقد فعلت ذلك الأمر تطوعاً، ومكراً، ولكي أرقق قلب السيدة حرم ديفيد الطيب أكثر من زوجته، والذي يشعرك بالغبن أول ما يتبادر من الباب أو تصادف محياه فجأة وهو عائد من العمل بفم مُرّ· ولكي تغير من كمية ونوعية الأكل الذي تقدمه لي كفطور إنجليزي لا أستسيغه كثيراً، ولكي تجعلني أنعم باستحمام كاف، لا ''سبوح الصفاصيف'' الذي كثيراً ما تشتكي منه، وتنصحني أن لا أغسل شعري أكثر من مرتين في الأسبوع· ما سمعت تلك السيدة الإنجليزية بتطوعي للبقاء كجليس لطفلها، حتى بدت الفرحة عليها، على غير عادتها، وأسباب الفرحة أولها أنها ستوفر على ميزانيتها 10 جنيهات، وهذا كاف ليجعل الإنجليزي يشهق من الفرحة، ويظل يشكرك على الدوام، وثانيها أنني لن أزعجها بقدومي الليلي شبه المتأخر، وثالثها أنها لن تضطر إلى أن تكتب ملاحظات كثيرة عني، وعن انضباطي طوال الأسبوع، والتي تقدمها للمدرسة بانتظام ودون كلل أو ملل· أما أنا فمنيت نفسي بمكتبتهما التي ستكون سهرتي تلك الليلة، قراءة في سكون، وإرضاء لفضول لم أستطع التخلص منه بسهولة حتى الآن، خاصة وأن أولاد الإنجليز لا يظلون مثل عيالنا ''يزغّون'' كل ساعة، و''يباغمون'' بلا سبب أو أن ''البزا'' حالّ عليهم ومقطعنهم، جيسون ينام من وقت في لباس قطني، مختار بعناية، ومثل ملاك ليلي، لا تسمع له حس، تحرسه قطتان· وضعت مدام ديفيد طفلها جيسون في سريره، وأعطتني بعض التعليمات الخاصة بولدها، أكله وشربه، وما يفرحه، مؤكدة أنه لن ينهض من سريره، لكن عليّ مراقبته بين الحين والآخر، ودعتهما متمنياً لهما سهرة جميلة وحميمية، خاصة وأن زوجها ديفيد بدت عليه عوارض عدم اكتراث حقيقي، وغير ميال للألفة أو الملاطفة مع زوجته في الآونة الأخيرة، وهذا ما قد يشاهده الأغراب مثلي· جلست أقلب تلك الكتب، مستمتعاً بهدوء غاب عني طويلاً، راجياً أن لا يُعرض فيلم ممتع في التلفزيون البريطاني، لكي لا يسرقني من متعة الوحدة، والقراءة التي أحياناً تشعر أن لها طعماً حلواً في الفم· مرت ساعة، وكل شيء كان هادئاً في ذلك البيت الإنجليزي الذي تسمع طقطقة خشبه ولو مشيت فيه كراقص باليه معتزل، وفجأة·· تعاركت القطتان، وضج البيت، وصحا جيسون، والتلفزيون البريطاني عرض فيلماً ممتعاً، وأنا تخربطت حالتي، مرة ''أحايز'' بين القطتين المتشاجرتين بدون سبب، ومرة أسكّت جيسون عن البكاء، ومرة توزني النفس على مشاهدة الفيلم·· وفي جمعة أخرى قد نكمل أحداث تلك الليلة!