لا نريد أن نخوض مع الخائضين، ولا ننظِّر مع المنظِّرين، ولا نؤطر مع المؤطرين، ولا نسبح مع السابحين، ولا نجرد السيوف من أغمادها، ولا نخرج البنادق من خنادقها، فقط نريد أن نسأل، ولعل الإجابة تأتي من أفواه أصحاب الشأن ومفتعلي الفتن ومشعلي المحن، ومخضبي الزمن، بوشاح السواد، ومداد النكد· يا ترى من له مصلحة مباشرة وغير مباشرة في تفجير ''الحسين'' في القاهرة·· من ستسعده الدماء الزكية البريئة وهي تسيح على أسفلت الحقد، دون ذنب أو جريرة· فإذا كان العراق سحق تحت مجازر الشوفينية، وأمراض الشيزوفرينيا، والعقائد عابرة القارات والمحيطات، وقبل ذلك لبنان ولا زال، فيا ترى أي أيد خفية وضعت مصر على القائمة·· أي كائنات حية تريد أن تعاقب نظاماً ما اختلفت معه أو لم تختلف، فتبدأ في سفك دماء من لا ناقة لهم ولا جمل، فقط جريمتهم أنهم مروا من هذا الطريق، وعرجوا إلى تلك الحارة ووقفوا عند ذلك المقهى·· فأي عقلية فجة سمجة، تمارس الأيديولوجيا كما تمارس الخنفساء الحياة، فعندما تريد أن تنتحر فهي تنكفئ وتضمر وتختل، وتسكن ليأكل النمل الشرس من عظمها ولحمها، وتنتهي إلى لاشيء· أي عقلية تهديدية عدوانية تتصور موت الآخر البريء طريقها إلى الحياة والنجاة، وتبوؤ ما تريد أن تتبوأه، وعلى حساب من لا حسابات له، غير أنه يريد أن يعيش آمناً مطمئناً، مستقراً لا يفزعه دوي، ولا يهرق دمه سفاح ''أبي''· أي عقلية هذه ''جبارة'' تريد أن تحرر الأرض المحتلة من فوق جثث الذين لا عداء لهم إلا مع التخلف والتزلف، والتكلف، والتأفف من كل ما هو جميل ونبيل وناصع في هذه الحياة· سؤال آخر لمن يعنيه الأمر··· لماذا يا ترى كلما لاحت في الأفق بادرة تشيع الأمل وتضيء المقل، وكلما طرأت بادرة لشبه تقارب عربي، كلما امتدت الأيدي من تحت جنح الظلام، وأطاحت وأباحت لنفسها الحق بأن تغربل وتزلزل، وتجلجل المكان بمن فيه ومن يمشي على ترابه، حتى وإن كان هذا الإنسان يسير على هدى جبلية، ولا علاقة له لا بالشرق ولا بالغرب، بل هو يريد أن يعيش بلا منغصات ولا منكدات، ولا مكدرات، ولا عقبات ولا تفجيرات إن لم تهدر دمه، فهي تقض مضجعه· نقول للذين ينجمون وينظرون ويؤطرون لعقائد ما بعد العقائد، نقول لهم كذب المنجمون ولو صدقوا، وكذبوا لأنهم يقاتلون الحقائق، ويجابهون الواقع بهذيان ما بعد الغيبوبة، وهلوسة ما قبل التخدير· نقول للذين يهرولون باتجاه الفراغ، ويسعون سعي الوحوش والضواري، في الليالي الموحشة، إن الخسارة الفادحة التي يمنى بها الإنسان هي ليست احتلال الأرض، لأن العدو هنا واضح، ويُشار إليه بالبنان، الخسارة الأعظم هي خسارة مكانة أمة باتت ضحية هرطقة وزندقة ورهاق سياسي، وعصاب عقائده، أباد من المثل العليا ما أباد، وأطاح بالأخلاق والقيم التي هي سمة إنساننا وشيمته، وأصبح موسوماً بالنعوت والأوصاف، التي نهت عنها قيمنا وثقافتنا وأخلاقنا· نقول للمرجفين في الأرض: شعب مصر وأرضها ليسوا مكاناً لتصفية الحسابات ولا موطناً للخيول الراعفة بهموم الوهم، وأحلام اليقظة·· نقول للعازفين على وتر الاحتمالات التي لا تحتمل، إن كنانة القلب لن تكون في يوم من الأيام درباً، لغول القرن الواحد والعشرين ولا ''لفاطمييه'' ولا لمدعي النضال على أكتاف الحقيقة·