شعراء الحداثة، هل استطاعوا أن يديروا الدفة أو الذائقة، عند أهل النبط وناس الصحارى، هل القصيدة الحديثة ذات الرمزية الصعبة والغارقة في خصوصيتها، تأتي إلى الصحارى بعزها وجلالها وقوتها أم أن الاحتفالات والمهرجانات تحتاج لكل صوت ولون ومزمار، تماماً مثل الفرق الفلكلورية التي تحضر لأيام التسوق والمهرجانات، هل انطوت صفحة القدح والذم والرجم للحداثة وأصحابها! هنا في هذه الجزيرة العربية والصحراء، كانت تنصب مضارب كثيرة عند أهل الشعر الشعبي والنبطي لقدح وذم الحداثة وأصحابها، أتذكر أن أحدهم أحضر قصيدته العصماء التي تسفه الحداثة وشعراء الحداثة وطلب نشرها في مجلة شؤون أدبية وعندما اعترضنا على ذلك بحكم أن الكثير من اعضاء الاتحاد هم من شعراء الحداثة، انبرى أحد أعضاء هيئة التحرير الذي ينتمي إلى الاتجاه ذاته والذي لا يطيق الحداثة ولكنه ذهب مدحوراً وذهبت القصيدة معه إلى المنابر التقليدية والشعبية· لم نتوقع يوماً أن يكون لشعراء الحداثة مكان في الساحة من حيث الاهتمام والمشاركة، ظل الشباب الجديد الذي ينسج القصيدة الحداثية ينشط بعيداً عن الصحافة الرسمية أو الشعبية التي أخذت تهتم بالشعر وتفتح له صفحات كثيرة، بل تطورت الاهتمامات الرسمية بالشعر في الجزيرة العربية وصدرت الكثير من المجلات المصقولة التي تهتم بالصورة أولاً والقصيدة الشعبية والنبطية، وتقاطرت على تلك المجلات أفواج من المراهقين والمراهقات، كذلك محبو الشعر الشعبي والنبطي وانحصرت القصائد في الغزل وفي تفاصيل المرأة وجسدها، ونالت تلك المجلات كل الدعم والتشجيع والمتابعة من جهات وقوى حكومية ومالية كبيرة، ظلت تصدر تلك المجلات بألوان وأشكال مختلفة حتى تخال أن الجزيرة العربية هي في حالة حرب غزلية بالمرأة فاقت كل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وشؤون الحياة· وحدها المجلات الثقافية الجادة ظلت تتراجع وتعجز حتى عن الصدور، لأنها بدون سند أو دعم· تخيلنا أن الشعر الشعبي أو النبط سوف ينهي الشعر الحديث والتفعيلة وأن الشعر الفصيح قد مات تماماً أمام جحافل الشعراء الشعبيين والنبط والذين انشغل الكثير منهم في المراحل الأخيرة بالتبارز الذاتي ومدح الذات والأسرة والعائلة، وأيضاً التفنن في وصف مفاتن المرأة، أيضاً ظهرت قصائد المدح والتكسب، واختلطت الأصوات بحيث إن الإماراتي يقول قصيدته النبطية أو الشعبية بلهجة وصوت حجازي أو نجدي والعكس صحيح ولم تعد القصيدة الشعبية عند البعض تمثل بيئته وكثر الصراخ والزعيق في الالقاء ظناً أن الساحة قد هزمت شيئا اسمه حداثة وأنها اندثرت هي وأصحابها·