من أين يأتي الماضي بكل هذه السطوة والجبروت على ذواتنا؟ وهل يملك الماضي كل هذه القوة التي تسيطر على ذواتنا، أم نحن من نمنحه إياها دائماً؟ وهل الثقافة العربية والإسلامية مرتبطة بالماضي مع ما للحاضر والمستقبل من رونق؟ في مقولته الخالدة، يقول المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان ''طيب الله ثراه'': ''من ليس له ماضٍ ليس له حاضر''، وهي مقوله تؤسس لهذه الفكرة، فما من إنسان عربي إلا وتراه يقدس الماضي على عكس العديد من الشعوب الأخرى التي ترى في الماضي كل ما هو معوق وغير مستحب، فابن الإمارات يعشق حياه الفريج وبيت الشعر والحياة البدائية في البر والجبل، وأكبر دليل على ذلك تلك الرغبة الدفينة في نفوس الكثيرين بقضاء يوم في البر كلما سنحت الفرصة، ورغم أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين وتخالطنا ثقافات أكثر من 150 دولة من القارات الست، إلا أن زينا الوطني ولهجتنا المحلية وعاداتنا وتقاليدنا ما زالت هي نفسها عادات من عاشوا في هذه البلاد قبل مئات السنين· تذكر الأيام التي عاشت فيها هذه البلاد مثلاً قبل أربعين عاماً·· أو أذكر الماضي أمام أي من ''الشياب'' الذين عانوا شظف العيش وكابدوا الأهوال من أجل توفير أبسط متطلبات الحياة سوف تسمع منهم قصائد مدح في هذه الأيام، وكيف كان للحياة مذاق آخر، وكيف كانت علاقات الناس ببعضهم البعض في السراء والضراء، والحقيقة أن الماضي في الذاكرة العربية يحمل كل ما هو جميل، ونحن يربطنا بالماضي تاريخ وحضارة وعادات وتقاليد ومثل نعتز بها وليس في هذا الماضي ما نخجل منه، وبالتالي فنحن نستدعيه كلما وجدنا أنفسنا معلقين في دوامة الحياة ونواجه مشكلات أكثر بكثير مما كنا نواجهه يوم كانت الحياة بسيطة ومشاكلها أقل في ماضينا حضارة عربية وإسلامية ممتدة وعادات وتقاليد إنسانية من الصعب أن تجدها في أي مجتمع آخر· ما يربطنا بالماضي ويربطه بنا هو اللذة ونمنحه نحن جماله المطلق الذي ملأ التاريخ أشعاراً وأغاني وقصصاً جاءت كلها عبر الممارسات الإنسانية كواقع يومي معيش· وتسأل من هو الأفضل الحاضر أم الماضي؟ وتجيبك جميع الأجيال بأن الماضي كان أفضل وأنقى وأبسط، مع أن الواقع الذي تعيشه الأجيال هو ما يشكل جزءاً من الماضي وكل المستقبل·· وهذا طبيعي بفعل الرفض شبه الدائم لما هو جديد لأغلب الناس· إبراهيم العسم