التربية الوطنية متلازمة حقيقية للهوية الوطنية، ويأتي قرار وزارة التربية بإعادة تدريس مادة التربية الوطنية بعد توقفها بفعل فاعل، إيماناً بأهمية تعاطي هذه المادة، وضرورة تعليم الأبناء الأسس والثوابت الوطنية، لتكريس وترسيخ معنى الهوية، وانتماء الإنسان إلى وطن له هويته وتراثه وتاريخه وثقافته وقيمه وشيمه وعاداته وتقاليده· مادة التربية الوطنية في أولويتها تأتي في مقدمة المواد، قبل الفيزياء والكيمياء والرياضيات·· فهي مادة الحياة، والتاريخ والدم والانتماء إلى روح ورائحة هذا الوطن الجميل·· مادة التربية الوطنية، من يستغني عن تدريسها وكأنه يتخلى عن هويته، وقيمه الإنسانية العالية·· والإمارات اليوم في أشد الحاجة وأمسها، إلى العمل من أجل تعليم الأجيال للالتفات والالتفاف والاصطفاف حول الوطن ومكتسباته، فالانتماء إلى وطن ما لا يأتي بقرار أو قانون، وإنما هو تدريب وتهذيب وتقريب الإنسان لعشب الوطن ومائه ويابسه وتشريبه من لبن التعليم المؤسس على نظم وقوانين وإرادات واعية وناهضة من أجل زرع الدماء في الجسد، وتنقيتها وتصفيتها من شوائب الدهر وخرائبه·· اليوم وبعد أن تشكلت القرية الكونية الواحدة أصبح العالم بحاجة ملحة إلى الأوعية المحافظة على الكيانات وهوياتها الوطنية، حتى لا يختلط الحابل بالنابل وحتى لا تذوب الدماء في الماء، ولا تتوه الدوائر في البطحاء القاحلة·· فالانفتاح أمر ضروري وحيوي، والولوج في الدائرة الإنسانية الواسعة قضية جوهرية وحياتية، ولا تعارض البتة بين الانتماء إلى وطن له هويته، والانتماء إلى عالم أوسع وأرحب·· فنحن أقوياء أشداء، بتمسكنا بالهوية والوجه الحضاري لبلادنا، نحن أصحاء بحفاظنا على قيمنا، ولا مجال للتغريب والتهريب، في مجال الهوية الوطنية ولا حاجة إلى سؤال في مسألة الانتماء إلى الوطن الواحد، لأن الإجابة واحدة، وهي أن لكل شعب وأمة خصوصية وتفرداً وتميزاً، وهو إضافة لتميز الآخر، وقدرته على التواصل والتداخل· فوطننا الإمارات كائن حي، نابض بالحياة، متحرك متغير، مما يدعو إلى وضع الأسس النافعة والشافعة، والمدافعة عن حقه في وجود لا يقبل الإفراط، ولا التفريط·· مجتمعنا الحالم يصحو ولا يغفو، يغوص ولا يطفو، على سطح العلاقات الإنسانية، الأمر الذي يجعله بحاجة دائمة لحصانة تحفظه من الذوبان وحاضنة تحميه من عواتي الزمن، ونوائبه وخرائبه·· والاهتمام بتعليم مادة التربية الوطنية هو اهتمام بالوطن، ونظر بعين واعية وفكر ثاقب، وقلب محب لهوية لا يمكن إغفالها أو إهمالها أو الخروج عن مسارها· فالتطور مطلوب ومرغوب بشرط ألا يشق قميص يوسف، ولا يخيف عصا موسى، التطور المأمول يجب أن يضع الهوية الوطنية موضع المقلة من العين، والقلب من الجسد، والعقل من الرأس، التطور حلمنا وهمنا ووعدنا وعهدنا، لكنه لن يكون أبداً بديلاً مرادفاً، لحق الإنسان أن يعتز ويفتخر، وينتصر لهوية وطن أصبح الآن شامة وعلامة وراية وسارية في فضاء العالم· خطوة جريئة ورائعة تستحق التقدير والامتنان لوزارة التربية لهذه الانتباهة باتجاه جيل يحتاج إلى من يقول له ها نحن هنا، نحن أبناء هذا الوطن، الرائع المبدع، المفعم بقدرات وطاقات يستحق الحب، ويستحق الاحتواء، والانضواء إلى كنفه، شجرة وارفة بالظل، عازفة بلحن الود، للناس جميعاً·· وعلى الناس جميعاً أن يقدروا ويحترموا بناءه، وبيانه وتبيانه·