البعض منا يخاف من الجديد ويخشى حمل الأقدام من محطة إلى محطة، ومن خطوة إلى خطوة، ويتصور أن في الجديد تهديداً لما جربه وتدرب عليه وأصبح جزءاً من كيانه· يتصور أن هذا الجديد يد تمتد إليه من بعيد تريد أن تسلبه شيئاً أو تحتل مكاناً في كيانه فيصبح بلا كيان ولا وجود· عادة عربية قديمة قدم الدهر تسور الأعناق وتطوق الأشواق، وتغشي الأحداق، فلا مكان لجديد، لمن أرهقته شوائب الاعتناق· البعض غارق في قديمه حتى نخاع العظم، والشحم واللحم والدم، تساوره الظنون في كل شيء، وأمام كل قادم لا يعرفه، يحك الصدغ، ويفتل الشوارب، ويمسح اللحية، ويقول لا شيء أحلى من القديم، ويؤكد ويمضغ المثل القديم·'' قديم الصوف ولا جديد البريسم''· ومنه وإليه ينتمي ويحتمي بأسوار وأطوار من العادات التي لا تمت بصلة للحياة البشرية وجبلتها التي أساسها التقدم والتطور والتغير، ومد البصر إلى ما هو أبعد بكثير من موطئ القدم· البعض يسكنه الخوف كما يسكن الدم في الجسد، ويستولي عليه الشك في كل شيء، كما يشك الإنسان في الكائن الخوان· لذلك تجده متوجساً، متحمساً، متمترساً عند مضارب الجحود والخمود والصخر الجلمود، تجلده مشاعر الذعر والرجفة والخيفة، فيلبث هكذا منكفئاً على نفسه، منطفئاً في ذاته، مختفياً عن العالم، متلاشياً، متماشياً، ماشياً على أرصفة التبلد والتجمد، والتصهد من نيران قلقه وألقه، ومزقه ورهقه· البعض آثر الدونية وانحاز باتجاه عقد النقص فانسحق وانمحق، وانكسر وانحدر وانكدر، ويبست جذور أشجاره، وجفت عيون مائه، وانحسرت مياه أنهاره، فلا هو حي ولا هو ميت· البعض يجيد ذرف الدموع على ماضٍ تولى، وغصن عبس وتدلى، يغرف من معين أحزانه وأشجانه حتى تصطك أسنانه وتبلى أبدانه· البعض لا يعرف للحلم فضاء ولا يفهم للعلم مدى، إنه يفرض أن للأرض جولة، وللقمر صولة، وأن للكواكب مقلة ترى من خلالها كيف تسير النجوم فتحوم حولها وتعشق الضوء من أجلها· البعض يمارس ضد نفسه الاضطهاد والاستبداد والاستعباد، ثم يصرخ خائفاً، عاجفاً مرتجفاً، عازفاً غارفاً من لحن الخلود ما سفه وما عسف وما خسف وما خف وزنه وما ثقل حزنه· البعض الأمنيات لديه نحيلة، والآمال ضئيلة، والأحلام عليلة، والتفاؤل هزيل، والتشاؤم جزيل، والرعب من الآتي مطر هطيل، وكل جديد لديه مؤامرة ومغامرة ومقامرة ومساورة ومكابرة لنهاية العالم واختفاء البشرية· البعض مسكون بالتردد، مشحون بالتصهد، مغبون بالتنهد، مرهون للتبدد، مجلود، محصود، مكدود بكأداء عقده وبيداء حدوده التي لا حد لها غير ذاته الفقيرة الأسيرة لمعانٍ لا معنى لها ولا مغزى· البعض حليف دائم للامتعاض والانخفاض والانخضاض والارتضاض وإجهاض كل ما هو جميل ونبيل وأصيل في الحياة، هو عابس، يابس، راجس، ناكس الرأس، منحني العزيمة، منثني القيمة والشيمة· البعض يغيب في الدرب عن الحب، يتوه في الجب، يحتطب الهوى، ويحدب في الفراغ ولا يخطب ود غير العزلة والزلزلة والجلجلة والبلبلة، والانتهاء الى منتهى لا قرار فيه، ولا استقرار به· البعض سوداوي الى حد العتمة، قاتم الى حد الحلكة، محتدم الى حد التهلكة، غائص في أنوائه الشائكة·