رواية ذات تأثير شديد على القارئ خاصة حين يقرؤها في سنواته المبكرة كاتبها الفلسطيني صلاح حسن الذي صاغها ببراعة أديب متمكن ورجل صاحب قضية، ومن مصادفات القدر ان يرتبط العنوان بحياة الكاتب الذي بحث لأبطال روايته عن مخرج عبر زمن الرواية الممتد ثمانين عاماً لكنه لم يجد المخرج، ولم يكمل الرواية حيث توفي دون أن يضع نهاية لها ! يمكن النظر للمخرج - بفتح الميم - من أكثر من زاوية، زاوية القضية الرئيسية للمؤلف المتمثل في فلسطين، الوطن المحتل الباحث عن مخرج، ولكن لا مخرج، حيث يضيق أفق الخروج من نفق الاحتلال يوماً بعد يوم، بعد أن يتلاشى القابضون على جمرة القضية، حين يغيب بعضهم الموت وبعضهم السجون والمعتقلات بينما تلتهم المنافي الجزء االمتبقي فلا يبقى من يعول عليه !! الزاوية الثانية هي هذا الصراع الازلي بين أصحاب الحق وأصحاب منطق الاغتصاب، بين منطق السلام مقابل الحدود ومنطق الأرض مقابل الوجود، وهو صراع لن ينتهي إلى نتيجة، وها هي ستون عاما تمضي والصراع على أشده لم ينس احد من كلا الطرفين منطقه ولا فرصته الاخيرة !! الزاوية الثالثة داخل كل واحد منا، بمن فينا المؤلف نفسه، فكيف يتصادف أن يستشهد مؤلف رواية هذه فكرتها دون أن يضع نقطته الأخيرة على السطر، كيف تصادف أن ظلت الرواية نصا مفتوحا حبس ابطاله في البيت المهجور بعد رحلة العجائب التي خاضوها، ونقل المؤلف الى عالم الشهادة تاركا الوطن كله نصا مفتوحا تتقاذفه المخططات والخرائط والسياسات والحروب والمساومات؟ كيف تصادف أننا جميعا على المستوى الفردي يبحث كل واحد منا عن مخرج فلا يجد بعد طول الرحلة اي ضوء في آخر النفق؟ هل هذه هي النتيجة الحتمية للبحث عن مخرج ؟ انه لا مخرج ؟ لا أحد منا إلا ويبحث عن خلاص أو مخرج، الكل يبحث عن الضوء، لكن لكل منا ضوءه الخاص، هناك من يقارب التاريخ ويتكئ عليه، لذلك فهؤلاء منهم من يبحث عن بطل كصلاح الدين يخلصه، ومنهم من يبحث عن نبي ينقذه ومنهم من ينتظر المهدي المخلص، أما البسطاء فيرون في انفجار الشارع مخرجا، وهناك من يرى في الثروة انقاذا، بينما مازال هناك من ينتظر الفارس أو الأمير الذي سيحضر من الغيب ليغير الواقع المتردي وليصير رمز الخلاص وضوء النفق· هل يجب أن يأتي صلاح الدين لنغادر أرض الهزائم والنكسات؟ وهل علينا أن ننتظر الأمير ليتغير عالمنا ولنسكن مساحات أخرى أكثر بذخا وأمانا وحلما واخضرارا؟ ربما لن يأتي هذا ولا ذاك، لكننا لا يمكننا احتمال القسوة الا بطيف أمير أو بطل - على ما يبدو - يرطب مساحات الجفاف ويجعل الحلم نديا في قلوب الحالمين، مع ان التجارب وصيرورة التاريخ الانساني علمتنا أن الحلم لا يحققه ابطال هلاميون يأتون من ضباب الوهم، الحلم لا تحققه سوى ارادة الحالم، الحلم مشروع واقع آتٍ مختلف وأفضل لكنه لا يتحقق بمجانية أو بثمن يدفعه ابطال من ورق· ثمانون عاما بحثا عن مخرج طال زمنه لأننا لم نقرر بعد أن نذهب للمخرج الصحيح وفضلنا البقاء في التيه لأسباب نحن فقط من يملك تفسيرها !! ayya-222@hotmail.com