أحياناً يسقط الإنسان في حالة ارتباك تصل حد الدوار ، حين يجد نفسه ينتقل بين ليلة وضحاها من حالة الى نقيضها ، وبدون مقدمات ، كأن ينام على حصير الفقر ويصحو على سجاد من حرير الثروة الطائلة ، وكأن يقضي العمر بلا صديق حقيقي ليجد نفسه وقد أنار حياته نور صديق يغمره بكل المحبة والعناية التي لا يكاد يصدقها وكأن تظل امرأة محرومة عمرها كله من طفل يدغدغ مسامعها بكلمة ماما وأن يبقى وجه هذا الطفل ساكناً حدود الحلم لا يغادره ، فاذا بالقدر يفاجؤها به على غير انتظار · ماذا يفعل المحروم طويلا من الحب حين يفاجأ بمطره يغمر قلبه ؟ كيف يستقبل هذا المطر ؟ هل يمشي تحته بلا مظلة وبلا حذر ؟ هل يدعه يغسله حتى نهاياته دون تردد ؟ هل يمد يده ليتحسس برودته وقوة انهماره أولا ؟ أم ماذا يفعل ؟ إنه يرى هذا المطر لأول وهلة في حياته ؟ تذكرت ذلك العربي الذي لم يغادر صحراءه يوماً ثم فجأة وجد نفسه في أحد بلدان أوروبا في فصل الشتاء ، وكان موسم تساقط الثلج ندفاً كما قطن أبيض يملأ سماء المدينة ، لقد فاجأه الثلج ذاك الصباح فجرى الى أول هاتف عمومي ليتصل بابنه يسأله : وماذا أفعل حين تمتلئ السماء بحشرات بيضاء لا أعرف ما هي بالضبط ؟ مثل هذا الرجل كانت تلك المرأة التي أسرت لى بأنها لا تملك صديقة في حياتها ، لا تذكر أن لها صديقة حميمة تهرع اليها اذا ضاقت الدنيا أمام ناظريها ، لا تذكر أنها بكت على كتف صديق أو كانت كما هي على حقيقتها أمام صديقة ، الكل يأتي اليها والكل يقول ما بداخله أمامها ، الكل يلقي على باب منزلها بحقائب همومه ومطالبه ثم يرحل متخففاً بعد أن يطعمها غصات قلبه ، لتحمل هي الاعياء ويعود القادمون بحقائب تفوح برائحة البهجة ونوارس الضوء ، هي وحدها التي تبقى بلا ضفاف تتمدد عليها ذات صباح حين يتشهى قلبها رؤية النوارس وبياض الغيم وصوت الموج · ماذا تفعل هذه السيدة حين يباغتها القدر بصديق جميل ، محب ، متفان في أن يجعلها مبتهجة وسعيدة لا أكثر ، ولا يريد شيئاً في المقابل سوى أن يسعد بسعادتها تلك ، قد يبدو الأمر غير مصدق في زماننا هذا كما تقول ، قد يبدو الأمر مبالغاً فيه لكن ذلك ما حدث لها ، صارت تستمع بشعور الدفء كأنها تتنزه على رمال شاطئ بعيد وتغسل قدميها في مياه الموج دون خوف من غضبة البحر ، الصديق يعني الأمان ، ذلك هو الشعور الذي يغادرنا تماماً حين نكبر ونغادر احضان امهاتنا ، ونلج بوابات الدنيا ونلتحم بضوضائها ولهاثها وأدرانها · ماذا يفعل المحروم غير أن يجعل مسام روحه تتفتح أمام مطر آذار الناعم ، ماذا يفعل المشتاق سوى أن يمعن في التهام اللحظة التي هبطت أفراحها عليه من غيب المفاجأة ، ليس عليه أن يسأل ولا أن يكون حذراً أبدا ، لأنه لا يفوز باللذة سوى الجسور ، ليس عليه سوى أن يزاحم الفرح على جدران قلب من يحب وأن يتمشى في قلب البهجة كمن يتمشى على ضفاف محيط كأنه خلق له أو قارة نائية كأنما اكتشفت لأجله · ayya-222@hotmail.com