لفتت نظري لفظة الضحك في هذه العبارة حيث قال أحدهم لصديقه : ''هل تعرف لماذا أعتبرك صديقي؟ لقد عبرت باب حياتي فانهمر الضوء في كل الغرف، هكذا أنت، النور الذي كنت بانتظار أن ينسكب بعناية في تفاصيل حياتي، لقد شاركتني المزاح قبل الجد وضحكنا ملء الفضاء، إنك أكثر الناس معرفة بجغرافيا مزاجي، بأخطائي ومزاياي، بطريقتي في التفكير، في الإحساس بكل ما يحيط بي، وبدلالات لغتي وأفعالي·· هذه بعض اشارات - لا أكثر- لمنطق الصداقة الذي يجمعني بك، وللسبب الذي يجعلني أسميك صديقي·· إنني ممتن لوجود شخص مثلك في حياتي''· منذ عقود طويلة وقضية الصداقة الحقيقية تشغل بال الكثيرين من الأدباء والشعراء والفنانين والفلاسفة، وقد قالوا جميعهم في هذه العلاقة الإنسانية ما لم يقله مالك في الخمر، ومنذ أيام وأنا مستغرقة بقراءة واحد من أجمل ما كتب التشيكي ميلان كونديرا، روايته ''الضحك والنسيان'' أحببت العنوان قبل أن أقرأ متن الرواية، جذبني الضحك وأغراني النسيان كثيراً بالقراءة قبل أن يغريني كونديرا نفسه بعبقريته الأخاذة في القص ورسم الأحداث· ما الضحك الذي يسمي كونديرا روايته باسمه؟ انه الضحك الذي يتجاوز الدعابات والاستهزاء بشيء ما، انه ضحك المتعة العارمة واللذيدة، انه الضحك الذي يكون للحظة في الزمن كل المتعة وأهم من كل المتع تقريباً، الضحك الذي يصير ذاكرة حميمة بين صديقين، ذاكرة تتجاوز مكان الضحك وتتجاوز المضحك لتصير شيئاً مضاداً للنسيان والكآبة التي تحولت الى معادل آخر للحياة المعاصرة· يقول كونديرا في إحدى صفحات الرواية: ''··· فيما مضى كنت أقول لأختي أو تدعوني هي أن نلعب معاً حتى الضحك، نتمدد جنباً الى جنب على السرير، ونبدأ بالتظاهر بالضحك طبعاً، ضحكات مصطنعة ومضحكة الى حد كبير حتى نكاد نضحك منها، عندئذ يأتي الضحك الحقيقي والكامل، فيحملنا في تدفقه الهائل صوب ضحكات متفجرة وعاتية بل ومجنونة أحياناً··· يقول كنا نضحك حتى لا نهاية لضحكاتنا، إن الضحك هو العيش الحقيقي بعمق لا نظير له''· يقولون إن صراع الإنسان ضد السلطة هو بالدرجة الاولى صراع الذاكرة ضد النسيان، وصراعه مع السلطة لا يمكن أن ينتج سوى المزيد من الضغوط والأزمات وأحياناً التوترات التي تستغرق عمر هذا الإنسان فيصير مشدوداً كوتر متأهباً للصراخ والصراع، وتتحول روحه الى ما يشبه السهم الذي على وشك الذهاب سريعاً الى غايته القاتلة، ولهذا يحتاج الإنسان في أمكنة التوتر العالي والنكد الملازم الى الضحك اكثر من احتياجه للطعام والشراب وإلا فانه سينتهي في مشفى للأمراض النفسية إن لم نقل الأمراض العقلية· يغدو الضحك في أحيان كثيرة متنفساً للهروب، من واقع، ولنسيان واقع آخر، وفي عبارات كونديرا مزيج من السخرية اللاذعة والألم العميق اللامتناهيين، فهو بين لهو العبارة وجدية الموقف، يقف بالقارئ على عتبات المضحك المبكي، أليس ما يحدث للإنسان المعاصر في مجتمعات القمع والتخلف والصراعات الضيقة وفي مجتمعات الفساد والحروب والنزاعات تراجيديا حقيقية يتشظى فيها الانسان وقدره معاً الى الضياع وقارعة الطريق، انه المضحك المبكي الذي يجعل البعض يضحك لأنه لا فعل آخر يوازي العبثية مثل الضحك، كما أنه لا فعل آخر ينتصر على العبثية مثل الضحك· ayya-222@hotmail.com