غيب الموت، وهو حق، زميلنا الصحفي والكاتب والقاص بدر عبدالحق، عن عمر ناهز الـ''63 عاماً'' وشيعه أصدقاؤه ومحبوه إلى مثواه الأخير في مقبرة شفا بدران بالعاصمة الأردنية عمّان· ويستحق المرحوم بدر عبدالحق منا الذكرى والرثاء والدعاء له بالرحمة، فقد عمل مدرساً بعد تخرجه في جامعة دمشق، شريعة إسلامية، لكن غواية الأدب والصحافة انتصرت على التخصص، فغامر باتجاهها، لقد كان هنا·· عمل بيننا ردحاً من الزمن، وكان من مؤسسي ومديري تحرير جريدة الوحدة والوثبة بأبوظبي في السبعينيات، وجريدة الأيام البحرينية قبل أن يعود إلى عرينه في جريدة الرأي الأردنية، وقبل ذلك كان صحفياً مناضلاً في جريدة ''فتح'' الفلسطينية إبان صدورها في عمّان، ومراسلاً لكثير من المجلات، وله مجموعة قصصية بعنوان ''الملعون'' ولعل من بواكير الإنتاج القصصي الأردني العمل المشترك بين بدر عبدالحق، وخليل السواحري، وفخري قعوار، بعنوان ''ثلاثة أصوات'' كما له في السياسة، ''حرب الجليل''· وبدر عبدالحق هو شقيق زميلنا الأستاذ تاج عبدالحق الذي تتلمذ على يديه، ويعتبر منذ ثلاثة عقود من رجالات الصحافة والتحليل السياسي والاقتصادي المميزين في الإمارات، واذ يستحق هو الآخر منا التعزية بوفاة فارس القصة القصيرة الأردنية بدر، لا يسعنا الا أن نستعيد من عناوين أحد إصداراته عنواناً لهذه المقالة فهو حقا ''شاهد عيان في غرائب هذا الزمان'' بل إنه كما وصفه زميلنا الشاعر يوسف أبو لوز في رثائه المعبر للأديب والقاص الراحل بمثابة ''أيوب'' القصة والصحافة الأردنية· لقد انكسرت شوكة بدر وعزيمته وروحه مع الانكسار السياسي، ومع هزيمة أفكار ومشروعات وطموحات جيل كامل من العقد الأخير من القرن المنصرم· واشتد المرض العضال على بدر، فترجل عن صهوة الكتابة، وكانت له مقالة كل يوم اثنين في الصفحة الأخيرة بجريدة الرأي الأردنية، لقد غابت كل الأشياء عن ذاكرته، فلم تعد الأشياء ولا الأخبار ولا حتى حركة الأسرة تعنيه، وتعفيه، كأنه استسلم للموج العاتي غير دارٍ عن الغزو السياسي والاقتصادي والثقافي، أو عن انهيار المنظومة الشرقية، أو غزو صدام للكويت، أو طول الحرب العراقية - الإيرانية، وحرب الخليج الأولى، واتفاقية أوسلو، والنتائج الكارثية للحروب الأهلية والنزاعات، وتبدد الحلم الفلسطيني وتقزيمه من تحرير كل شبر من فلسطين إلى إقامة سلطة اللا دولة على أجزاء من نصف فلسطين أو ما يجري من تدهور في صحة العراق أو ترويض لبنان عسكرياً!! نعم لقد صبر بدر، فاقداً لذاكرته نتيجة مرض عضال صبر أيوب عليه السلام لنحو 15 عاماً، ففقدت الساحة الأدبية والصحافية الأردنية قلماً صادقاً، وفكرة غير اعتيادية، وأسلوباً سلساً، وعاشقاً من عشاق الأردن وفلسطين والأمة العربية، وكان مرضه وانسحابه هو أهم أوراقه كشاهد عيان في غرائب هذا الزمان· دمعة حزن لا تكفي لأن ذكرى بدر عبدالحق ذكرى جيل عربي كامل، خذلته غرائب هذا الزمان، وعجائب تصاريفه·· فكان فقدان الذاكرة نوعاً من الاحتجاج العلني المؤجل للمشروع الذي أقدم عليه بعض المثقفين، منهين حياتهم بطريقة المحارب الياباني!!