أليزابيث ألكساندر ليست شاعرة عربية، ولا تجيد قواعدكتابة الشعر النبطي، ولذلك فهي ليست ضليعة في تكريس قصائدها للأغراض الشعرية التي نعرفها، خصوصاً الهجاء والمديح والإخوانيات· لكن ألكساندر شاركت في حفل تنصيب باراك أوباما بقصيدة، وكان جمهورها مئات الملايين من المستمعين في واشنطن وعبر شاشات التلفزة، وهو حدث استثنائي في تاريخ القراءات الشعرية· أنشدت الشاعرة، وهي في الرابعة والستين، ''أغنية تمجيد لهذا اليوم''، لم تذكر فيها أوباما ـ صديقها ورمز قضيتها ـ بالاسم، ولم تطلق شعارات سياسية، بل تحدثت عن الناس البسطاء: ذلك الذي ''يشذب حاشية رداء ما''، والثاني الذي ''يخيط رتقا''، والثالث الذي ''يرقّع عجلة سيارته''، وكل الآخرين من عازفين ومنتظرين في محطات الحافلات ومدرسين· هؤلاء الناس هم موضوع قصيدة ألكساندر· لم يحضروا في قصيدتها أفرادا، ولا أيضا جماعات من السود أو البيض، هم كل المجتمع الأميركي، على ما يلاحظ زميلنا الدكتور سلمان كاصد في دراسته النقدية للقصيدة، التي منحتها وصال العلاق ترجمة متميزة· (راجع الترجمة والدراسة في مكان آخر)· تطلق أليزابيث ألكساندر في قصيدتها/ الأغنية، كل ما اختزنته في ذاكرتها من علامات وتجارب قضيتي الحرية والعدالة في بلادها، منذ أن وقفت عام 1963 وسط الحشود، تستمع لخطبة مارتن لوثر كينغ وهو يردد بلسان الملايين من أبناء جلدته ''لدي حلم''· وعندما أصبحت الشاعرة، رئيسة لدائرة الدراسات الأميركية ـ الأفريقية في جامعة ''ييل''، وقريبة من أول رئيس أفرو ـ أميركي، وجدت نفسها معنية بكتابة ترجمة لذلك الحلم· وهو حلم، يظل في قصيدة ألكساندر، في ''رحمه'' النقي، لا تلوثه السياسة، ولا تدنسه الشعارات اللحظوية· أليزابيث ألكساندر هي رابعة الشعراء الأميركيين الذين وقفوا على منصة التتويج: سبقها روبرت فروست مع جون كنيدي، ومايا أنجيلو وميلر ويليامز مع بيل كلينتون، لكنها الوحيدة التي نأت بالشعر عن التوظيف· وإذا كان حضور الشعر في مناسبات كهذه يبدو اختصاصاً ديمقراطياً، فإن الجمهوريين حاولوا اللجوء إليه في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش· يومها دعت السيدة الأولى لورا بوش لعقد حلقة دراسية بعنوان ''حلقة البيت الأبيض الدراسية حول الشعر الأميركي'' بتاريخ 12 فبراير ،2003 وخصصت تلك الحلقة لمناقشة أشعار: إميلي ديكنسون، والت ويتمان، ولانجستون هيوز· غير أن آلاف الشعراء المناهضين للحرب كتبوا آلاف النصوص التي تندد بالحرب في العراق، وقام الشاعر سام هامل بتسليم تلك النصوص إلى السيدة الأولى مما تسبب بإلغاء الحلقة· مع أليزابيث ألكساندر، يذهب الشعر أبعد مما تذهب إليه السياسة، يقول الأشياء بصيغ غير ملتوية، ويحافظ على الحلم، الذي ظل في قصيدة ''أغنية تمجيد لهذا اليوم'' أميركياً خالصاً· وهنا مكمن خلل، يحتاج إلى حلم آخر، وقصيدة أخرى· عادل علي Adelk58@hotmail.com