أمام المحلات التجارية الكبرى يخوض بعض السائقين حرباً شعواء في بحثهم عن مواقف لسياراتهم، مما يفقدهم الأخلاق وآداب استخدام المرافق العامة· هؤلاء أنانيون، ذاتيون، إلى حد نكران حقوق الآخر في المشاركة، وتقاسم المكان الذي هو مرفق عام وجد ليوفر الأمن والأمان والاستقرار والسلامة للجميع، لا لفرد دون غيره· في كثير من الأماكن أمام المحلات التجارية نلاحظ أن مواقف السيارات تتسع للجميع، ويمكن أن توفر المكان الملائم لإيقاف جل سيارات الأفراد، الذين يؤمون هذه الأماكن، لكن سوء الاستخدام واللامبالاة بحقوق الغير، والضرب بقوانين المرور عرض الحائط، واللجوء إلى نظام وضع اليد، وأسلوب أنا ومن بعدي إلى الجحيم، جعل هذه المواقف أشبه بيوم حشر تتدافع فيه الأجساد مكتظة بالحديد المتراص والمتعارض في سيره ووقوفه·· أمر يجعلنا ويجعل كل قاصد خير يشعر بالأذى والضجر من بعض التصرفات المسيئة، والتي تسيء إلى جمال بلادنا وإلى لوحتها التشكيلية الرائعة· أناس خرجوا من بيوتهم، وقد تخلصوا من ضمائرهم، وتحرروا من مشاعرهم الإنسانية، وحيدوا عقولهم، وانحازوا إلى الفوضى والعشوائية، فعندما تطلب من شخص أن يوقف سيارته بشكل يدع مساحة لسيارة أخرى شغلتها سيارته ينظر إليك بعين يتطاير منها الشرر، ثم يرمقك بنظرة أخرى فيها شيء من المعصية لكل الأخلاق والقيم، ثم يشيح عنك في وجوم وغضب يشعرك وكأنك شتمته أو أسمعته كلمة نابية·· وتظل هكذا واقفاً والحيرة تأكل قلبك لا تدري ماذا تفعل، هل تعود أدراجك إلى منزلك وتتخلى عن حاجتك التي جئت من أجلها؟ أم تمارس نفس السلوك الذي مارسه غيرك فتكون ضاعفت المشاكل المرورية وضيقت على غيرك كما ضيق عليك؟ تصرفات وأساليب وسلوكيات شاذة ومقززة تشمئز منها النفس، يمارسها البعض بدم بارد وضمير غائب، والفاعل كائن بشري يعيش في زمن العلم والوعي والثقافة التي سهلت على الإنسان فهم الخطأ والصواب، والتمييز بينهما بسهولة ودون عسر· تصرفات مشينة يقوم بها البعض بعدوانية مدمرة تكاد تعيدنا إلى عصور الجهل والتخلف وتدني الوعي بالإنسان·· والمؤسف أن هذا يُمارس على أرض بلد وفّر كل إمكانيات الراحة لقاطني الأرض ومستخدمي الشارع، وسخر كافة الجهود من أجل صياغة منظومة اجتماعية لا تشوبها شائبة، وذلل كافة العقبات، وجعل من الصعاب سهولاً حافلة بعشب الحياة، مفعمة بأفياء النعيم، ولكن البعض مخلوق من نار لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب·· فالحياة عنده غضب، وشغب، وصخب، وفوضى غير خلاقة·