بمناسبة تجديد سيارات أجرة العاصمة، وخدماتها المختلفة عن ''تاكسي مال أرباب'' وإعلان التعرفة الجديدة، آملين أن ترتقي لمستوى يليق بالعاصمة التي يزورها الجميع· إن أول ما يتعرف الإنسان عليه في أي بلد يزوره، سائق الأجرة وسيارات الأجرة، والذي يختلف وتختلف - كسائق وسيارة- من بلد إلى آخر، على الرغم ما يجمع بينهم من محاسن وأضداد، فسائقو التاكسي فيهم المكتئب وفيهم الفرح، منهم المجبر على العمل ومنهم من امتهن المهنة، أكثرهم الكذابون المحتالون ولو بدرهم زيادة، وأقلهم الصادقون، فهي مهنة يومية قاسية وصعبة وتضطرك لأن تتعامل مع مختلف الشرائح، والأعمار والأجناس، ومثلما يحتال سائقو الأجرة، يمكن أن يتعرضوا للنصب اليومي من الزبائن، ويمكن أن يقعوا في مشاكل صغيرة وكبيرة· سائق الأجرة المكتئب في عمان والذي لو تعطّلت سيارته لقال إنك السبب، ولو تفادى حادثاً في الطريق لقال كفانا الله شر من ركب، تجده يلعن النسوان العابرات الطريق، وفوق كل هذا يلحق السيجارة بالسيجارة، وغير حليق الذقن لدرجة الاستفزاز، يختلف هذا عن السائق المرح في إيطاليا والذي يمكن أن يحدثك عن صديقته ليلة السبت، وعن أجمل مطعم يمكن أن يستضيف عاشقين، ويختلف عنهما السائق الألماني المتجهم والذي لا يصدق متى يوصلك مكانك ليأخذ أجرته بحيث لا يمكن أن يترك لك فرصة لكي تنطبع صورته في ذاكرتك، ويختلف عنهم السائق اللبناني النصّاب الحنّان الذي بدأ بتحطيم أضلع زوجته من أول طريق المطار، وأعمى أمه في منتصف طريق الزلقا، وعطّل واحدة من كليتيه قبل أن يصعد بك طريق الجبل، ولو كان طريقك إلى ظهر البيدر لكان قبل وصولكما قد خسر اثنين من أبنائه في الحال والتو· أما الذي يختلف عنهم جميعاً فهو السائق الفهلوي الذي بإمكانه أن يبيع كل شيء لك وبرخص التراب، يمكن أن ينصحك إن كنت مستثمراً في العقار، ويعرفك بتجّار القطن إن كنت تاجراً، ويمكن أن يوفّر لك صنفاً جيداً إن كنت محششاً، يعني ''بتاع كلو'' كما يسمي نفسه، ويطلق على سيارته المتهالكة''البرنسيسه''· سائقو الأجرة يمكن أن يكون بعضهم صديقاً، وتتحول سيارته إلى سيارتك المفضلة، وبعضهم قد لا تلتقي به أبداً ولو زرت مدينته عشرات المرات، أظرف سائق أجرة رأيته في حياتي كان يشتغل في الحياة مطرباً، وسائقاً في وقت الضيق، هناك طبعاً من يركب سيارة زوجته ويشتغل عليها، وهناك في الهند رأيت مرشحاً سقط في الانتخابات البلدية، ورجع يشتغل في مهنته القديمة كسائق أجرة، كما رأيت سائقاً في فرنسا من ''باشوات زمان'' ممن غدر بهم الزمن، وقلب لهم ظهر المجن، وخرج من مصر بعد الثورة· في اليابان يلبس السائقون القفازات، ويفتحون لك الباب، وأجرتهم عالية، وغالية جداً، لكنهم لا يطلبون بقشيشاً، ولو كان فلساً واحداً، ولا يشتكون من أمراض عربية مزمنة، ولا يمكن أن يصادفك دون أن يكون حليقاً، نظيفاً· في بلاد العرب أوطاني وتركيا يقول لك السائق: السيارة سيارتك، أو إدفع اللي تدفعه، أو خليها علينا، فلا إن خليتها عليه رضي، ولا إن دفعت له ما جادت به نفسك قبل· السائقات يتصرفن في حدود أكثر من الأدب في الفلبين والنمسا وألمانيا وفرنسا، لكن العجائز منهن يظلن لا تعجبهن الحياة ولا أمور الدنيا ولا الضرائب ولا أصحاب البشرة السمراء والتي تحتاط منهم بركوب كلبها الـ''ولف'' في المقعد الأمامي، ويظل طوال الطريق يشخص لك بعينيه ويلعق لسانه، مما يجعلك ''حيوانياً'' أكثر من ب·ب·