ما أصدق أحمد شوقي حين وصف شعره بقوله: كان شعري الغناء في فرح الشعب وكان الغناء في أحزانه وما أصدق معنى هذا البيت على مجلة ''العربي'' التي كانت، وظلت، بمثابة ملتقى حرّ لعقول كل العرب وقلوبهم، إبداعاً وفكراً، من المحيط إلى الخليج، ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ولذلك لا تزال ''عروة وثقى'' لكل العرب المحدثين، و''مرآة لأحوالهم'' في كل المجالات الإبداعية والفكرية ولذلك تتعدد مجالاتها ما بين الإبداع شعراً ونثراً، قصائد وقصصا والفكر ومقالات سياسية واجتماعية وجغرافية وأنثروبولوية إلخ·· فكأنها دائرة معارف العرب المحدثين الذين يرون فيها كل أحوالهم، وأحداث تاريخهم، ومتغيرات مجتمعاتهم وهي في الوقت نفسه نافذة العقل العربي على العالم المتقدم من حوله، تتيح له المعرفة بجوانب التقدم وخصائصه التي انعكست على الوعي الحديث، وأصبحت السبب في حداثته وهي بأدائها هذا الدور تدفع العرب على نحو غير مباشر أو مباشر على إعادة تأكيد الوعي بتخلفهم في اللحاق بركب التقدم العالمي، كاشفة عن أسباب التقدم، مقابل أسباب التخلف، تاركة لوعي القراء حرية الاختيار ما بين عالم قديم جامد في تقليديته واتِّباعية فكره، وعالم جديد حي، تحرك كل ما فيه حتى الحجر، وأصبح العلم المتطور والمتجدد إلى ما لا نهاية غايته ووسيلته في المزيد من التقدم لصالح حياة أكثر رقياً وكمالاً وجمالاً ولذلك اتسعت ''العربي'' للجوانب العلمية مؤخراً، وذلك لتكشف للعرب عن أسباب القوة في كل مجال من مجالات التقدم العالمي الذي لا نُساهم فيه، وإنما نتلقى نتاجه وصنعه، ونستهلكه ونحن لا نعرف من أسراره، أو أسرار تطويره، شيئاً ذا بال· وكان من الطبيعى أن تهتم ''العربي'' في مرحلتها الأخيرة بالطفل، مدركة أن الطفل رجل المستقبل، والطفلة سيدة هذا المستقبل الذي يتطور بتطورهما وإسهامهما الإبداعي ولذلك صدرت ''العربي الصغير'' لتتيح للأطفال عالماً من البهجة التي تغريهم بالإقبال على المعرفة والإبداع المناسبين للمراحل العمرية للطفولة، حيث ضرورة التبسيط المفيد، واليسر في التقديم، والبساطة الإبداعية في التعريف وكما اهتمت ''العربي'' بالراشدين، تهتم اليوم بالناشئة، وتعدهم للرسالة المهمة والأدوار الحيوية التي ينبغي أن ينهضوا بها، ويمضوا في طريقها، مستهدين بالتأصيل المبكر الذي خلفته ''العربي'' في أذهانهم صغاراً، وتمضي في متابعتهم، تزويداً وتأصيلاً وتطويراً·