نحن أمام مرحلة تطويرية، وهبة اجتماعية، نحو تحفيز الطاقات، وإيقاظ القدرات، ورفع الإمكانيات والمعنويات، وشحذ العقول، وبعث الفصول، نحو أمطار العطاء والسخاء والأداء الجيد، والعمل المُجد والفعل المجيد·· نحن أمام فصل من فصول الإثمار، والإعمار، والإزهار، والازدهار، والافتخار، والاستمرار في تقديم كل ما يخدم الوطن، وما يرفع الشأن، ويضيء الزمن بأقباس، ويحركه بأجراس، بلا أقواس، ولا محابس من الكبت، وخفوت الرؤية وانطفاء الطموح· مرحلة تستدعي كل الهمم، والشيم، والقيم، من أجل الاستفادة من هذه الباحة والراحة، المفتوحتين من أجل طريق ناصع وبريق مبدع، وجيل يقدم ولا يحجم، يلتئم وينسجم ولا يحتدم ولا يصطدم يفتح عيناً للأفق البعيد ويسرج خيلاً للمدى والمديد·· مرحلة تحتاج إلى كبح جماح الرغبة إلى الجاهز والسهل، وتسد الطريق أمام المتساهلين، المتكاسلين، المتواكلين، المهملين، النائمين، الناعسين، البائسين، العابسين، اليائسين· مرحلة هي فتح قريب، ونصر أريب، وسعي لا يخيب مسعى، ورعي لا يصيب مرعى، ودخول لا خروج في حومة العمل الجاد، المثمر، المبهر، المتجذر في ضمائر الناس المحبين، العاشقين، المدنفين بالتضحية من أجل الوطن· الأمر الذي يجعلنا نطالب كل من يعنيه الأمر، بالاهتمام والإلمام بما يحيط بالوطن من حاجات أساسية، تحررية من حاجته إلى الآخر·· ولاشيء أهم من أن نعلم أبناءنا، ونشجعهم على خوض معركة التعليم الفني، والدخول في مختلف مجالاته، وفروعه، لبناء جيل من الفنيين، والممارسين والمتخصصين والمتميزين في مجال الصناعة والتقنية، وعلوم التكنولوجيا كما لا نستمر في رهن أنفسنا لما تقدمه لنا آلة الآخرين، وعقولهم، وهذا الوطن المعطاء يزخر ويزدهر بعقول أبنائه، القادرين على التصدي لحاجة المستقبل ومتطلباته، وأسس تنمية المجتمع·· نحن بحاجة ماسة اليوم إلى التعليم الفني وإلى المعاهد والجامعات التي تعنى بهذا الشأن، لنخلص أبناءنا من عقدة دونية هذا المجال، وتندرهم به، وابتعادهم عن حياضه·· يجب أن نكرس ثقافة الانتماء إلى الآلة والانحياز نحو إنجازاتها ومعجزاتها، يجب أن نتحرر من عقد الماضي، وتاريخ ما قبل وبعد الوظائف الإدارية، وطموحات الفرد، لتبوؤ المناصب ذات ''البرستيج'' والوجاهة·· المجتمعات لا تنمو ولا تتطور ولا تتحضر إلا بصوت تقرير الآلة في الآذان، ولون التشكل الحديدي على أيدي الأبناء·· المجتمعات لا تحقق ذاتها إلا بصناعة وزراعة تطرب لها العقول، وتعشب بها الدروب، ويتحقق هذا المطلب لمجرد التمنيات بل بتخصيب الأرضية الثقافية، وتأهيل المشاعر، تجاه العلم الفني، وإعداد الدراسات والتنسيق بين كافة المؤسسات ذات الصلة، ووضع الخطط المستقبلية، لتأسيس ووضع لبنات أساسية تقوم على تكثيف الجهود من أجل تحقيق هذا الأمل، وهذا المطلب الوطني والحاجة الإنسانية· فمنذ زمن، ونحن نخضع لصيحات وصرخات مدوية، ومؤذية، تتحدث عن البطالة ولا حل·· أقول لن يكون الحل بالترقيع، ورفع الشعارات التي لا تخدم ولا تقدم ولا تؤخر ولا تؤطر ولا تسخِّر بل تَسْخَرْ·· فالبطالة لن تحل بالأمنيات، ولا بالآمال العريضة·· البطالة بحاجة إلى تضحيات وإلى وعي بقيمة العمل الفني، وطرد شيطان الاتكالية والرغبة إلى الجاهز والسهل من الأعمال·· البطالة بحاجة إلى منح هذا الجيل، للخوض في معترك الحياة الحقيقية، والخروج من حالة الترف والبذخ، والولوج في عمق المطالب، وتلبية ما يحتاجه الوطن من فنون العمل، وتخصصاته وشعابه ووديانه·· نريد لجيلنا أن يعمل ويتعب ويسغب، ولا يهرع للسهل الممتنع·