توقفت طويلاً وكثيراً عند الخبر، لم أصدقه في البداية، وحين طالعتني الصور الحية للفتى ذي التقاطيع الطفولية البريئة صرخت : مستحيل ، فالصبي يبدو وكأنه بالكاد قد اجتاز عتبة الثامنة من عمره، بينما يقول الخبر الذي شغل بريطانيا كلها إن الطفل (ألفي باتين) يبلغ الثالثة عشرة من عمره، وبأنه قد اصبح أباً منذ عدة أيام بعد أن رزق بابنة من صديقته التي تكبره بعامين· هل يعقل أن نتحدث عن أم وأب في هذه السن المبكرة ؟ وعبر علاقة خاطفة وآثمة ؟ أي قيم انتجتهما وحكمت عليهما بهذا المصير ؟ وأي عائلة ستتكون بواسطة طفلين لازالا يذهبان كل صباح الى المدرسة ؟ لقد أعادتني حكاية هذا الطفل / الاب الى نظريات التربية الكلاسيكية التي تتعامل بعدم ثقة مع عمر المراهقة حين يتعلق الأمر بدرجة العلاقة بين الجنسين في ظل عدم الرقابة وعدم التوعية، ذلك أن النتيجة غالباً ما تكون غير سارة على الإطلاق، وهنا فالمسألة درجة الثقة التي تمنح للصغار لها علاقة ماسة بدرجة التربية والتوجيه والرقابة التي يخضع لها هؤلاء من قبل الوالدين والأقارب المسؤولين بشكل مباشر عن تربيتهم، إن الصبي ذا الثانية عشرة والذي وجد منتحراً في غرفته بواسطة جلد مطاطي لم ينتحر من فراغ، كما أن انحراف الفتيات المسترجلات يرجع لفقدان رقابة الوالدين حتماً، وتحول طفل في الثالثة عشرة الى أب وهو لايزال ممسكاً بمحرك لعبة البلاي ستيشن مرده انهيار قيم مجتمع بأكمله والغياب الكامل لدور العائلة بالتأكيد !! حين ينحرف الصغار فتش عن الوالدين، وحين يكون الصغار محط إعجاب الآخرين بسبب نبوغهم واستقامتهم فتش عن الوالدين أولاً ، لا شيء يحدث مصادفة ولا ينحرف الصغار من فراغ، انهم أبرياء بالفطرة فعلاً كما تعتقد الأمهات، لكن صغارهن الذين يتركنهم لعواصف الخادمات ولوثات الفضائيات وعلاقات الرفاق الغامضة ومتاهات الأصحاب الذين لا ندري عن عوالمهم شيئاً هؤلاء الصغار المطلق سراحهم للعبث لا يعودون صغاراً أبرياء بعد فترة، بل يصيرون على معرفة بما لا يجب أن يفتحوا عيونهم عليه في هذه السن البريئة جداً· لقد قرأت حكاية الصبي البريطاني الذي صار أباً يحمل طفلة لا تقل براءة تقاطيعها عن براءة وجهه، ثم استحضرت صور عشرات الأطفال ممن أمر بهم يومياً وأعرف مدى إهمال والديهم لهم وتحديداً إهمال الأب الذي لا يكاد يظهر في البيت ليومين حتى يختفي شهراً فيما بعد دون أن يعلن عن موعد سفره ولا موعد عودته، وكأن هؤلاء الصغار المنتظرين ليسوا سوى عمال مصعد في فندق مهمتهم حمل الحقائب لا أكثر !! إهمال تربية الصغار لن يكون له نتائج عظيمة تدعو للفخر يوماً كما قد يعتقد هؤلاء الآباء، ومهمة الأم أنها أم أولاً وأخيراً، ولن تكون أباً حازماً صارماً يفرض هيبته كما يفترض أن يفعل الأب، وعندما سيفيق الآباء من لوثاتهم المنشغلون بها اليوم سيكررون ما يقوله البعض حول العقوق والإهمال وقسوة الابناء، وسيكون الوقت قد تأخر تماماً، لهؤلاء نذكرهم انهم إذا أرادوا براً في الكبر فعليهم أن يقدموا تبعات الفاتورة منذ الآن·· لا تهملوهم صغاراً كي لا يعقوكم كباراً، وكي لا يحرقوا قلوبكم بانحرافات قد لا تحتملوا نتائجها في هذا العمر· ayya-222@hotmail.com