نتمنى دائماً أن تكون قوة أي دولة مجاورة هي قوة لدول الجوار، وتعضيد للحوار، وترسيخ للمعاني بلا دوار ولا خوار ولا سعار، ولا ابتزاز ولا استفزاز ولا اهتزاز للمبادئ الإنسانية، لا ارتكاز على قوة العضلات الوهمية· نتمنى ذلك وقلوبنا دائماً تهتف وتهفو إلى الانسجام بدون احتدام، وإلى الالتحام بدون خصام، وإلى الاحترام المتبادل بدون إلحاد أو افتراء، أو استهزاء بالحقائق التاريخية على الأرض، وفي غضون التضاريس الجغرافية، لكن يبدو أن تمنياتنا تذهب دائماً أدراج الرياح، أمام القصف والعسف والنسف والخسف الكلامي، الذي يصدر من بعض الجهات الإيرانية غير المسؤولة، وغير المشمولة بالعقل، وإنما تحركها نزعات توسعية، وتدفعها مشاعر دفينة وكامنة في أذهان هذه الشريحة التي لا تزال تعيش الوهم، وتمارس الألعاب النارية الخطرة على حساب الغير، مستندة بذلك على أطماع ورغبات وشهوات، ملفوفة بقفازات دينية أحياناً، وعرقية في أحيان أخرى· نقول ما نطق به ناطق نوري المفتش العام الإيراني، ليس إلا فقاعة، الهدف منها تحريك المياه المطمئنة في الخليج العربي، وتمويج الساكن وتهييج الكامن، وتمريج المطمئن المستقر المستتب، الثابت، النابت في عروق أبناء المنطقة·· فالبحرين، دولة عربية ذات سيادة، ليس في المنظمات الدولية والاقليمية فحسب، بل أيضاً وثيقة في جذور التاريخ متونه وغضونه، وأحشائه وأرجائه·· ولا أتصور أن من المصلحة تأليب وتكليب مشاعر الشعب الإيراني ضد جيران، وأخوة في الدين، فهذا الشعب، أي الإيراني الممتد بجذوره في علاقات عريقة وعميقة وسحيقة مع شعب منطقة الخليج العربي لا يستحق كل هذا التشويه في الذهنية، والتسويف في الثقافة، والإسفاف في ترتيب شأنه مع شؤون أبناء المنطقة·· الشعب الإيراني بحضارته المديدة، وثقافته العتيدة، وأمجاده المجيدة، يستحق من مسؤوليه أن يكونوا على مستوى الحدث وأن يكونوا واعين لما يقولون، منتبهين لما ينطقون، وإذا كان بعض المسؤولين يريدون أن يتطايروا في الفضاء الرحب، عن المشاكل المحدقة التي تحيط بإيران، من اقتصادية وسياسية واجتماعية، فإن شعب إيران لن يكون في يوم من الأيام عدواً لجيرانه الذين هم نافذته إلى العالم، وبؤرة عينه إلى الحياة، وجناحه الاقتصادي الذي يجب أن يحلق به بعيداً عن حالة الفقر، والعوز، والمشاكل الاجتماعية التي تحيط به·· من يريد لإيران القوة، والأنفة، والرفعة من المسؤولين الإيرانيين، يجب أن يضع في اعتباره أن معاداة أهل المنطقة ودق أسافين العداء، وقرع طبول الضغائن ليست حلاً للمعضلات، ولا تحرراً من الأزمات والملمات·· شعب منطقة الخليج العربي يحفظ حقوق الجوار، ويمد اليد للشقيق والصديق، بكل الود والرغبة الأكيدة في الاحترام المتبادل وعدم المساس بالثوابت أو الخوض في أوهام لا تزور إلا ممن يعيش الانفصام الذاتي وانعدام الرؤية واحتدام النفس الأمّارة·· ما نتمناه أن يكف من يسف ويتعمق من يتكلف، ويتخفف من يعاني من أوزار الحقد والنكد، ويجفف منابع الطمع المزعوم، والجشع المذموم، بنفوس مريضة ومغرضة، ومرتضة ومكتظة بآلام ماضي امبراطوريات ظننا أنها ذهبت إلى غير رجعة·· نتمنى من بعض المسؤولين الإيرانيين أن يخففوا الوطء وألا يطأوا الخطوط الحمراء، لأنها نار حمراء لن تفيد ولن تزيد إلا مزيداً من الضغائن والمحن، ما خفي منها وما ظهر