لا أدري ما هو السر في ندرة الدراسات الاجتماعية في الإمارات، في ظل مجتمع التغيرات الذي بدأ بسنوات الطفرة المادية وما ترتب عليها من تخل جماعي عن أنماط حياة مجتمع الكفاف والهرولة سريعاً باتجاه كل أشكال مجتمع الرفاهية والعولمة، لقد انتقلنا سريعاً من حالة اجتماعية إلى أخرى ومن منظومة قيم وسلوكيات لأخرى مختلفة، دون تمهيد ولا تدرج ما ولد بالضرورة حالات من الالتباس والارتباك الاجتماعي توضح في العلاقات بين أفراد المجتمع وأفراد الحي وأفراد العائلة في كافة مستويات وميادين التعامل· أعود لسؤال البدء، لماذا لم تخضع تقلبات المجتمع للدراسة المستمرة والملاحظة الدقيقة من قبل أساتذة الاجتماع وأهل الاختصاص من أبناء المجتمع؟ وإذا كانت هناك دراسات قد تمت - بداية سنوات الثمانينات حسب ما نعلم - لبعض الجوانب المهمة في مجتمع الإمارات كالعادات والتقاليد وملامح اقتصاد الكفاف و··· والتي اضطلع بها عدد من كتاب الإمارات وأساتذة علم الاجتماع منهم على وجه التحديد وبعض الإخوة العرب ممن ساهموا في إثراء هذا الجانب من الدراسات الاجتماعية، فإن الملاحظ أن إخضاع المجتمع للمراقبة العلمية هذه قد توقفت منذ سنوات أو على الأقل هذا ما يشير إليه قلة المنشور والمعلن من الدراسات العلمية الدقيقة· مما يلفت النظر فعلاً ويستدعي هذا التساؤل هو هذا الكثير من السلوكيات التي انتشرت بين أفراد المجتمع كباره وصغاره وتحديداً جماعات الطلاب والمراهقين وحتى غير المراهقين منذ سنوات طويلة، وقد شكلت هذه السلوكيات التي لا تمت لطبيعة أهل الإمارات المحافظة والمتدينة علامة استفهام تحولت إلى اعتياد ألغى كل تحفظ حولها مع مرور الأيام حتى بدت وكأنها طبيعة ثانية للناس عندنا، دون أن تجد من يتصدى لها ويناقشها علناً أو عبر مجمع بحوث ودراسات يستدرك الأمر قبل فوات الأوان· إن المنهج البسيط في التصدي لقضايانا وما طرأ على سلوكيات الناس وأنماط تفكيرهم ونظرتهم للحياة وللآخر ولأنفسهم عبر برامج تلفزيونية وإذاعية غاية في البساطة والتبسيط، لا يصلح إلا لتزجية الوقت والتسلية، لكنه حكم لا يصلح لرصد ظواهر المجتمع وتغيراته بشكل علمي رصين ومعمق يقود لنتائج وخلاصات تتحول إلى آليات علاج أو مواجهة أو شيء من هذا القبيل· هذا ما خطر لي وأنا أقرأ حول ظواهر الانحرافات السلوكية لدى أبنائنا وبناتنا في المدارس والجامعات وهي انحرافات نسمع اليوم عن محاولة إيجاد مبادرات وقائية للتصدي لها في ظل معلومات مؤكدة تقول إن هذه الانحرافات التي تشكل اليوم سمات أعداد هائلة من أبنائنا كان بالإمكان علاجها بشكل أيسر لو أن رحلة التصدي بدأت منذ سنوات طويلة يوم ظهرت هذه السلوكيات في مدارسنا بدايات الثمانينيات مثلاً، الأمر الذي يعيدنا لسؤال البداية: لماذا أغفلت الدراسات الاجتماعية المعمقة لمجتمع الإمارات؟ وهل يستدعي الأمر قراراً أو تكليفاً إدارياً أو رسمياً للسادة أصحاب الاهتمام والاختصاص، أم أن الأمر يمكن إدراجه في إطار الجهود والمبادرات الفردية التي كان يتوجب على أصحاب الاختصاص ضرورة أخذها على عاتقهم كنوع من الواجب الوطني والعلمي الذي يميز العلماء والباحثين عادة؟ نحن هنا لا نضع اللوم على جهة دون أخرى، ونعلم مقدار حرص أبناء الإمارات من اختصاصيي علم الاجتماع والسلوكيات البشرية بأحوال مجتمعهم وعلى يقين بأنهم أشد الناس رصداً له ومتابعة لتغيراته، وربما توافرت لديهم الكثير من الدراسات التي بادروا إليها بأنفسهم، لكننا نسأل: أين هي ولماذا لم يؤخذ بها إن وجدت؟ ayya-222@hotmail.com