تصادف شخصيات في دروب الحياة يضيفون إلى رصيد تجربتك بعداً، ويزيدون من معرفتك عمقاً، ولا يكون اللقاء بهم إلا مثمراً ومتميزاً، من هذه الشخصيات، بسام فريحه الذي يحسد على ثلاث: صداقاته وعلاقاته النخبوية الكثيرة، مقتنياته الفنية العالية التي قضى أربعين عاماً في تجميعها، وإصداراته الصحفية المتعددة من خلال دار الصياد العريقة، ولا يحسد على ثلاث: التنقل الدائم بحيث لا يتذكر سرير الأمس، وعلى أي مخدة وضع رأسه، وساعة صحوه اليوم في أي مدينة، محاولته مسك الأشياء الكثيرة التي يتعامل بها، بحيث لا تفلت التفاصيل من بين أصابعه، والوقت الهارب والمتناثر والموزع على جهات الدنيا الأربع· بعض هؤلاء الأشخاص تقول: التقيهم ولو صدفة، أحاول أن أسرق من وقتهم ولو دقيقة، أخذ كلمة منهم أو فكرة عابرة وأمضي، بسام واحد من هؤلاء، له عين فاحصة، وبصيرة ثاقبة، يعرف الناس والأشياء، يتابع أموره ولو كانت صغيرة، فحكمة العمر علمته أن كل شيء مهما صغر مهم، ومهما عظم فهو أهم، تتساوى عنده الأمور، ولا يركن لمسألة كبيرة، وينسى أمراً صغيراً، صاحب واجب، وخير في الناس، لا تنسيه عجلة الحياة المتسارعة شخصاً عمل معه، أو شخصاً خان به الحظ، أو غلبته الحياة، وهو بين كل هذه الأشياء المتداخلة، تشعر أنه يعمل مع مساعديه، لا يعملون عنده، ويذكّر معاونيه الناسين، ولا يذكّرونه، قد يطيل الحكم على الأمور، وقد يفرض صمته تجاه ما لا يريد الإفصاح عنه، وقد يتناسى، لكنه لا ينسى، إلا الخطيئة، ويفرحه كثيراً ودائماً النجاح· مرة حكى لي عن قصة حدثت معه، وهو المشحونة حياته بالقصص والعبر، وله من العمر المديد ما يجعله قادراً على غربلتها وفلسفتها، واستنباط حكمتها، فذات مرة كان ينتظر شخصاً مهماً لكي ينجز عملاً معه، وسارت الساعات ومضت الأيام واختلفت المواعيد، ولم يجد الفرصة المواتية للقاء، وهو الصبور والمتابع لتفاصيل أموره، لكن ذلك لم يثنه، ولم يقعده، ولم يسمح للإحباط أن يتسلل إلى نفسه، فكرر المحاولة وفي أماكن مختلفة، لكن اللقاء نتيجة لظروف كثيرة لا يتم، وذات يوم اتصلوا به، وحددوا الوقت، وكان وقتها في فرنسا، فأخذ سيارة بسائقها وذهب على وجه السرعة، لكن الشخصية المرموقة جاءها موعد طارئ، ولظرف أكبر، مما جعل بسام ينتظر ساعات، فلما تأخر الوقت كثيراً، واستبطأه، خرج ليستقل السيارة، قائلاً: لنا في الغد منتظر، لكنه وجد السائق الفرنسي قد ذهب، لأن الساعات المتفق عليها قد نفدت، وفي فرنسا السائقون بالساعات المحددة والمتفق عليها، وليس مثل سائقه في أبوظبي ''حاجي'' الذي يبقى مستنفراً طوال اليوم ما دام في أبوظبي، رجع إلى المجلس، وبقي جالساً ثم غفت عينه ثم أفاق على صوت ينبه بوصول الشخصية فجراً، والذي ما أعتقد أن بسام سيبقى كل هذا الوقت منتظراً، متسائلاً عن الموضوع الذي ظل عالقاً مدة طويلة، والذي جاء من أجله لينهيه في الحال، وحتى يوصله سائقه الخاص إلى بيته· في اليوم التالي، طلب بسام السائق الفرنسي وأعطاه مكافأة مجزية على انصرافه، فتعجب السائق من تصرفه، لكن نفس بسام كانت تقول: لولا أنه لم يذهب، ولم يتركني، ولم اضطر للبقاء، ما أنجزت العمل، ولا حصلت كل هذه البركة·· هناك بعض الناس عليهم أن يتعلموا من الحياة من كيس غيرهم!