في الندوة الأخيرة من مؤتمر ''مبادرة الصحافة الأخلاقية'' الذي عقد في دبي هذا الأسبوع تحدث المحاضر ''مايك جمبسون'' مدير منظمة '' media wise trust'' في المملكة المتحدة، عن موضوع في غاية الأهمية، عن متابعة مصداقية الصحف الإنجليزية، من خلال ما تقوم به هذه المنظمة، فجاءت المقارنة وحدها وحضرت بين ما وصلت له الصحافة في أوروبا وأميركا، وبين صحافتنا وصحافة العالم الثالث ومن دار في فلكهم، هناك الرقابة من أجل الصدق والنزاهة والعدل، وعندنا وعند من يتساوى معنا الرقابة على''التابو'' التقليدي، وعلى الحرية، وعلى كل شيء ما عدا النزاهة والمصداقية والبحث عن الحقيقة وتطبيق العدل، هناك مراقبة صاعدة من الرؤوس، وهنا رقابة هابطة على الرؤوس· لقد ذهلت من نتائج تقصي هذه المنظمة لتحقيقات وعناوين وحملات صحفية، كان المستهدف فيها المهاجرون إلى بريطانيا، ومحاولة تأليب المواطنين عليهم، وإلصاق التهم بالباطل فيهم، من أجل ترحيلهم أو عدم منحهم اللجوء أو سن قوانين ضاغطة على وجودهم في بريطانيا، ومن بين هذه التحقيقات الصحفية المفبركة والتي تصدت لها المنظمة، ما قامت به إحدى الصحف حين نشرت على صفحتها الأولى صورة لأب يحمل ابنه، يحمل ملامح أوروبية شرقية، وعنوان عريض ''بريطانيا نحن قادمون'' وكالت وادعت الصحيفة أن هذا الشخص من المهاجرين إلى بريطانيا، ومستوى التعليم عنده منخفض، وعائلته كبيرة، ويستفيد من الإعانة الاجتماعية، وهو وأمثاله عبء على المجتمع البريطاني، استمرت الحملة الصحفية، واستمرت الكتابة المفبركة عنها· فقامت المنظمة، وجندت فريقاً للتحري والتدقيق في الصور، والشخصيات والكلام الذي جاء على ألسنتهم للصحيفة، واستغرق البحث أشهراً طويلة، وزيارات ميدانية، كشفت المنظمة، أولاً صورة الرجل وابنه المنشورة تحت العنوان العريض ''نحن قادمون·· يا بريطانيا'' يعيش في يوغوسلافيا، وهو غير عاطل، بل يشتغل دهاناً أو صبّاغاً، وله دخل، ومستقر مع عائلة مثالية في العدد، ولم يزر بريطانيا حتى مرة واحدة· ومن بين هذه التحقيقات والحملات المستعرة ضد الأجانب، ما نشرته مرة صحيفة إنجليزية عن أن ''طالبي اللجوء السياسي'' يأكلون لحوم الحمير، ويصيدون البط الملكي ويشوونه، كل ذلك من أجل تشويه الصورة، واستعداء المجتمع الإنجليزي لهم· ونشرت صحيفة أخرى عن مؤامرة لقتل بلير وأن المتهمين فيها بالتأكيد هم الأجانب المقيمون، وكان توقيتها خبيثاً للغاية، أي بعد أحداث سبتمبر، فقامت المنظمة بجنودها المتطوعين من أجل الحقيقة والصحافة النزيهة والحرة، ففندوا تلك المؤامرة الوهمية بالتفاصيل، معتمدين على برنامج وتحركات بلير المخطط لها بالثانية· إن كشف المنظمة لتجاوزات الصحف، وبعدها عن الشرف والأخلاق والنزاهة يجعلها عرضة للمساءلة، وسخط القراء، ونبذ المجتمع، وبيان موقفه الواعي والمتحضر منها، الأمر الذي يجعلها بعد هذا تفقد مصداقيتها عند القراء، وهذا في أوروبا حكم قاس معناه أن الجريدة لا تصلح حتى للف الأشياء فيها، ومعناها صحيفة بلا قراء، صحيفة بلا إعلان، وصحيفة بلا إعلان، يعني صحيفة بلا مال، ولا رأسمال، والأمر القاسي الثاني الاعتذار للقراء، والاعتذار لأصحاب الحق، وهذا يعني شيئاً واحداً أن الصحيفة كاذبة، ومتجنية، وليست حرة، ولا تحكمها أخلاق المهنة الشريفة!