أشرت بالأمس إلى إصرار بعض المؤسسات والدوائر الرسمية على التزود باحتياجاتها من العمالة من دول أجنبية، متجاهلة وجود عمالة في السوق المحلية وكذلك من الدول العربية الشقيقة، رغم وجود اتفاقيات عمالية بهذا الشأن، بحجة الكلفة الرخيصة للعمالة المستوردة عن طريق وفود المهمات إياها في الخارج· هذه النظرة امتدت إلى مهنة من أقدس المهن وهي التدريس· فبعض أصحاب المدارس الخاصة يتعاملون مع هذه المهنة السامية على طريقة تلك الرحلات، و''سفرة تجيبلك مدرسين بالكيلو'' من عرب وعجم!· والشغلة عندهم مجرد مشروع استثماري، والنتائج والتكامل مع التعليم العام وخدمة المجتمع آخر همومهم· المهم المكسب ولا شيء فوق المكسب· أما أهم عنصر في العملية ونقصد المدرس وظروفه وأحواله فلا علاقة لهم به· ففي بعض هذه المدارس ومنها ما تصل أرباحها إلى خمسة ملايين درهم سنوياً، راتب أحسن مدرس لا يتجاوز الألف وخمسمائة درهم!!· ومن يعترض فالتهديد بالاستغناء جاهز، والموفدون إلى رحلات جلب ''مدرسين بالكيلو'' جاهزون ايضاً· فماذا تتوقع من مدرس يعيش البؤس براتب زهيد كهذا ؟· وأي عطاء تطلب منه وهو يجد نفسه أقل دخلاً من سائق يوصل إلى المدرسة بعض تلاميذه· إن أصحاب النظرة للبشر على أنهم مجرد كومة محتاجين يمكن أن يقبلوا بأي شيء، يتناسون الأخطار الناجمة عن هذه النظرة الضيقة والمحدودة، فالفساد والتجاوزات لا يزدهر الا مع هكذا نظرة، فتجد المدرس من فئة ''الكيلو'' هذه يجتهد لتحسين ظروفه بتزيين الدروس الخصوصية للتلاميذ، وغيره من ضعاف النفوس لا يمانع في الاتجار بدرجات طلابه، وقد كشفت وزارة التربية والتعليم حالات عدة لبعض ما يجري· إن مجلس أبوظبي للتعليم وهو يؤسس لعهد جديد من المسيرة التربوية والتعليمية، يتكامل ويتناغم فيه أداء المؤسسات التعليمية العامة منها والخاصة مدعو لإلزام المدارس الخاصة بالارتقاء بأوضاع معلميها بما يتناسب وهذه المهنة الجليلة· والتصدي لأصحاب تلك المدارس التي تختلط الأمور عندهم بين العلم والتعليم كرسالة، وبينه كمشروع لجني الأرباح الطائلة، وهم يتاجرون بعذابات وعرق مدرسي ''الكيلو''!!·