في وطننا العربي المأزوم لا أحد يتنازل لأحد، فالكل يقول أنا الواحد الأحد، الفرد الصمد، ومن بعدي طوفان وطغيان وكمد·· في فلسطين شعب يعاني الأمرّين، مرّ الحصار وعلقم الصراع بين الإخوة الأعداء·· فالذين يتصارعون على صنع القرار وفرض أمرهم لا أمر وطنهم يقطفون من الألفاظ والمحسنات البديعية ما يسلب الوجدان ويخلب اللب، وكل ذلك تحت شعار القضية الوطنية في الوقت الذي يرزح فيه الملايين تحت نير الاحتلال وعتمة الحصار والجوع ينهش أكباد الصغار والكبار، والآخرون من يمسكون بتلابيب المصير، لا أذن سمعت ولا عين رأت ولا نفس شعرت·· فليذهب هذا الشعب إلى الجحيم ولتذهب قضيته تحت جنح الليل البهيم·· فالكرسي أولاً والياقات المنمقة أولاً ولا شيء يحتاج إلى تفكير أو تدبير غير تلك الألوان الزاهية· وفي لبنان الأمر مشابه ومجاور ومحاذ لما يجري في فلسطين، فالأشقاء يرمون أخوة الدم والأرض بأفظع التهم والأوصاف ، والعربة السياسية تسير إلى الخلف خطوات كلما تقدمت خطوة ، والتهم واحدة، فهذا يلقي باللائمة على ذاك، وذاك يرج الأرض رجاً متهماً أخاه بالخيانة والعمالة والدائرة تدور في وجه العاصفة ، وعيون البسطاء تتطلع إلى دخان أبيض يفرج عن حل·· ولا حل لأن الرغبة الكامنة لدى أصحاب القرار هي أنا ومن بعدي الطوفان، فإذاً من أين تأتي الطمأنينة لوطن ومواطن والرياح تعصف والتهم تقصف والخلافات تخسف والرؤوس تسف سعف الفراق ، فلا انعتاق من ربقة هذا الخوف من الحوار والتوجس من الاقتراب حول فكرة تحل عقدة وتفك أزمة· فيا ترى هل هذه هي الديمقراطيات التي يبشرنا بها سياسيو العالم الجديد، هل هذه هي الجنات الخالدات التي نسمع ونقرأ عنها عند كل شروق شمس وعند غروبها؟! فإن كنا استقبلنا مصطلح الديمقراطية بترحاب وبقلب هياب فإن حالتنا في الوطن العربي بحاجة إلى دراسة وتحليل لأن حالتنا حالة خاصة ومميزة ومتفردة برفض الآخر والتوجس والريبة من أي رفة جفن له·· نحن فرحنا بالديمقراطية كما يفرح الصغار بالدمى ولكنها فرحة طفولية لا تعي قيمة الأشياء ، إذ سرعان ما تتحول إلى عدوانية مدمرة تدمر الدمية وتحول المكان إلى ساحة حرب ضروس· نحن بحاجة إلى علم جديد يدرس حالتنا النفسية ويخرجنا من ذواتنا المكبوتة المشحونة بقيم عدائية للآخر موروثة منذ أن دبت الأقدام على أديم الأرض· نحن بحاجة إلى نفوس جديدة تستطيع أن تستوعب ما تقدمه الديمقراطية·· الديمقراطية ليست صراخا وشتائم، الديمقراطية نكران للذات واحترام للآخر ورأيه·