نقرأ في الكتب أن للصحافة قيماً وشيماً، وأخلاقاً بلا إملاق·· ونقرأ أنها صاحبة هالة وجلالة، وأصالة، ونجالة، ودلالة·· نقرأ أنها عين الأمانة والرصانة والرزانة والصيانة، والمكانة· نقرأ أنها الكتاب المسطور، والنقش المحفور، والعلم المأثور والبوح المنصوب فلا مجرور ولا مكسور، ولا مكرور ولا مقهور، ولا مطمور· نقرأ أنها راية العلم، وسارية الفهم، وأصل الكلم، وبوح القلم، ومساحة للرؤى والرؤية وباحة للسؤدد والروية، وراحة تستريح في كنفها قلوب مصهدة مكتوية، واستراحة لمن أراد أن يفض وينفض ما فاض في السريرة والقريرة، وما جانس وما استوحش في أفئدة البرية· أما بعد·· وأما قبل وما بين البعد والقبل، هناك من نخاله لا بد من منخل أو منجل، يشذب ويهذب، ويدرب، لا يسرب ولا يخرب، ولا يكرب الوجه الجميل النبيل، الأصيل، لما نسميه صحافة· أما بعد، وأما قبل وما بين البعد والقبل، هناك أدران وأحزان، وشنئان، وبهتان، وأشجان، ووجدان، وتمنان بحاجة إلى ترتيب وتخضيب وتخصيب، وتصويب، لا في الصحافة كمادة جامدة، وإنما في النفوس والعقول والقلوب، وتمهيد الدروب، وتعبيد ما أفسده الدهر، وترميم ما أضنته النفس الأمّارة، واستعبدته أنانية وذاتية وكبرياء أشبه بكثيب الرمل، في صحراء عجفاء، في جرم عاصف· أما بعد·· وما بين البعد والقبل، هناك أسئلة، لا بد أن تطرح على المتناولين والمنتدين، والحائمين في حماهم، واللاهثين لهاثهم، والقابضين من جمرات كلامهم، والسائرين في ركبهم·· ماذا يريد الصحفيون من الصحافة·· وماذا تريد الصحافة من الصحفيين؟·· أمر في غاية التعقيد، والتنكيد، والتجريد، والتكهيد، والسهد والصهد، والكمد، أن نجعل من لقمة الصحافة لعنة ومحنة وأزمة ومأزقاً ونزقاً ورهقاً ورهطاً، نكيل فيه ما نكيل ونحيل فيه ما نحيل ونمضي قدماً باتجاه الفراغ الذي لا يؤدي إلا إلى فراغ وندعي ونبتدع ونخترع أشكالاً وأهوالاً لا وجود لها إلا في عقولنا العجمية وشعورنا الباطني وإحساسنا الخاتل تحت جلودنا وفي أفكارنا ومفاهيمنا المعرفية· أما بعد، فنقول إن فاقد الشيء لا يعطيه، وإن باب النجار بلا مسمار، وإن الصحافة لا تنفصل بأي حال من الأحوال عن أصحابها وأحبابها وركابها، وقد سمعنا وقرأنا وشاهدنا وتابعنا ما يفعله الصحفيون بأنفسهم، وفداحة المأساة التي يعانونها جراء مناكفات ومشاحنات وتشابكات واختلافات وصراعات، تدمي القلب ويندى لها الجبين، ويقشعر لها البدن، وشاهدنا تلك الأقلام ''الهذية'' المأساوية، التي طالت حلقاتها واستدارت صورها الشائهة، عندما يختلف الصحفيون، وتتحول المنافسات ''الأخلاقية'' إلى معارك دامية، وحروب طاحنة، تحرق الأخضر من الأخلاق، وتبيد الأحمر من الحرية، ولا تترك شاردة ولا واردة، إلا وتطيح فيها، والسبب هو أن ينال فرد الحظوة ويخطو الخطوة على حساب من لا حساب له في رصيد منافسه· أما بعد، فالصحفيون بحاجة إلى دروس ومواعظ في القيم الصحفية، والشيم والأخلاق، فإن نجحوا في كسر حاجز الخوف من كبح جماح النفوس الأمارة، وإن انتصروا على هذا التورم والتضخم، والاقتحام في هذا الوقت، تستطيع الصحافة أن ترفل بثوب الأخلاق الزاهي، البهي، الجميل النبيل·· أما عدا ذلك، فإن الادعاء لا يؤدي إلا إلى افتراء على الحقيقة، ودحض للآمال والأمنيات· تخلصوا من عقدكم تتحرك الصحافة من غبنها·