الملتقى المنعقد في دبي والذي تنظمه جمعية الصحفيين بالدولة بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين بعنوان'' مؤتمر دبي لإطلاق مبادرة الصحافة الأخلاقية'' جاء في وقت فقدت فيه الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة جزءاً كبيراً من أخلاقيات المهنة، والتزاماتها القيمية داخل الوسيلة الإعلامية نفسها أو في تعاملها مع منافساتها، والأهم تعاملها مع الإنسان والمجتمعات، ولأن الناس دون الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة أصبحوا اليوم في العصر الحديث أشبه ما يكونون بالعميان، ليبرز دورها الكبير والمؤثر في حياتنا، ولتؤدي مهمتها المنوطة بها في مراقبة السلطات، دون تحيز أو ميل وبموضوعية، لتصبح رائدة في خدمة الناس والأوطان من أجل الخير والحب والسلام والعلم والمعرفة· لكن الوسائل الإعلامية الكثيرة والمختلفة تحكمها اليوم أشياء عديدة من المصالح الاقتصادية والسياسية والمنافع الشخصية والأبعاد الطائفية والعرقية والثقافية، فإلى أي مدى يمكن للمجتمعات الديمقراطية والحرة أن تضبطها في سير عملها، ولا تجعلها عرضة للأهواء، ولا تستخدم الوسيلة الإعلامية كمطية، بل تحافظ على استقلالها، لا تمنعها إلا أخلاقيات المهنة، ومهنية الأداء، وهنا لا نطلب المثالية لأنها صعبة، بل الواقعية في الأمر، فمحطة مثل الـ''سي·ان·ان'' أو ''بي·بي·سي'' مهما حاولت أن تكون محايدة، وتعبر عن مهنية وتاريخ من المصداقية، يظل هناك تسرب أو خلل من أحد الأطراف، والسبب الطبيعة الإنسانية، والعاطفة والتأثير والتأثر، هذا إذا ما أبعدنا الأمور الأخرى مثل الانتماء أو التبعية، أو الظروف المالية التي تمر بها المحطة، وبالتالي يمكن الارتهان لطرف واحد تنفذ أجندته، أو أطراف متنازعة، وفي رأيي الشخصي المحطتان نوعاً ما بعيدتان عن هذا الأمر· وقد ظهر مثال واضح أثناء الحرب التي تتطلب قوانين دولية صارمة، وأخلاقيات إعلامية تقرها الدول وتراقبها المنظمات المختلفة، لأنه متى ما قامت أي حرب، يعني ذلك إخلالا بالنظام، والدخول في جنون الأشياء، وتحييد العقل، والمثال كان من محطة''بي·بي·سي'' حين لم تعلن نداء الاستغاثة للأطفال الفلسطينيين، لأنها أعتبرت ذلك تحيزاً لجانب دون الآخر، رغم ميولها صوب إسرائيل في بعض المسائل، وهذا ما انتقدته، وأبدته الصحافة البريطانية، لا نحن، في حين اعتبر الكثير من دول العالم أن الـ''بي·بي·سي'' تحيزت لإسرائيل، وعملت على تغطية بشاعتها في التعامل مع جرائم الحرب· والأمر يكاد ينطبق على الدانمارك حين لم تمنع الصور المسيئة لمشاعر مليار ونصف مليار مسلم، واعتبرت ذلك من باب حرية النشر في وسائلها الإعلامية، وقد تحترم جانباً من حرية الصحافة ووسائل الإعلام في الدانمارك، حين يتطلب قانون مثل ''الرقابة الذاتية'' على وسائل الإعلام قرابة 30 عاماً من المناقشة، هل يقر، أم يبدل أم تفرض تلك ''الرقابة الذاتية'' ولا نقول رقابة الآخرين، وتدخل السلطات، لذلك لم تستطع الجهات أن تفعل شيئاً حيال ''الكاريكاتورات'' المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم)، لكننا اليوم في المؤتمر المنعقد برعاية الاتحاد الدولي للصحفيين نعول ونطالب بالكثير من أخلاقيات المهنة في صحافة العالم،لأنها ثابتة، وبالقليل من القيم التي تحكمها، لأنها متحركة!·