جيش مصر قادر على رد الصاع صاعين·· هذا ما قاله الرئيس المصري في مواجهة الابتزاز الإسرائيلي·· وهذا ما كنا نريده، ونتمناه ونرجوه من دولة عربية كبرى كمصر، ليس لردع إسرائيل فحسب بل أيضاً لإسكات من لعب في المياه العكرة، ومن حاول خلط الأوراق، وتجيير القضية الفلسطينية لصالح مصالح إقليمية مسمومة، ومشؤومة، ومفهومة ولا تغيب عن بال من يفحص ويمحص ما يجري على الساحة العربية·· نتمنى لجيش مصر أن يكون هكذا دائماً، وفي ساحات الوغى تكون كلمته العليا، وكلمة المتسلقين والمتسللين والمتوسلين والمتسولين هي السفلى، فمصر ليست على الحياد في الصراع مع إسرائيل، ومصر ليست دولة ثانوية تتوسل الحلول من جار مخاتل أو مجاور متحايل، يريدها دوماً أن تشتعل ليقف متفرجاً، ويرسل صواريخه الكلامية وقاذفاته الاستفهامية، والتعجبية والاستغرابية، ويعلن عداءه الظاهر لاسرائيل، وما يبطنه وما يخزنه من علاقات يدور من تحت الطاولة، الأدهى والأمرّ من الصبر· في الحرب الظالمة على غزة المطحونة بنيران وأضغان إسرائيل، سمعنا وشاهدنا الكثير من الدول المناضلة عبر المنابر، وأدهشتنا العبارات النارية، وشعرنا بالخزي من هذا المكر الذي جعل من دماء الأبرياء وقوداً تشتعل به حرارة الازدواجية والشيزوفرينيا السياسية، وما تبعها من أيديولوجيات ومعتقدات حاقدة لا تكره جنساً أكثر مما تكره العرب، وتمج قضاياهم، ولكن سياسة التجارة أو التجارة السياسية راجت وماجت وهاجت، وتطورت نسلاً ميكروبياً في الآونة الأخيرة وجعلت من القضية الفلسطينية حطباً لنار استهزائها بالعرب، وسخريتها منهم، وشماتتها بهم، وحقدها عليهم· اليوم وبعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس المصري، نتمنى أن يكون لهذه التصريحات أجندة عربية، وشواطئ سياسية تبعد عن بحارنا وحياضنا هذا الزبد الاقليمي، وتحفظ ودنا مع أنفسنا كعرب، تصون حقوقنا، وتحميها من أطماع ليست لاسرائيل فحسب بل للآخرين المتربصين، والبائعين الجائلين، والمضاربين بقضايا العرب في سوق النخاسة الدولية، والذين بفعل فاعل معلوم نصَّبوا أنفسهم أوصياء وأولياء على الحقوق العربية، بعدما تاهت الحلول بين هذه الدولة وتلك وضاعت في خضم الخلافات العربية والانشقاقات، التي لا تخدم للود قضية، ولا تحفظ من الدماء غير رائحتها التي فاحت في شوارع غزة المنكوبة· نريد لمصر القوة والحزم والجزم، واللجم، ولا قوة للعرب في غياب مصر، ولا صوت للعرب في غياب ''صوت العرب'' مع الاعتذار لصوت أحمد سعيد سابقاً·· مصر هي الشيمة والقيمة، والكلمة الحقيقية، فإن نهضت مصر زالت الفقاعات والافتراءات، والاختراعات السياسية، وإن صمتت مصر تعالى العواء والنباح، وضجّت الغابة العربية بمخالب وأنياب صفراء ورثة وغثة وخبيثة·· نريد لمصر هذه أن تكون محور الدائرة ومركزها وقطرها، وقطبها القوي الصارم الحازم القادم من النيل، لنيل الحقوق المشروعة وتحقيق التضامن العربي بعيداً عن أهواء فصائل ومفاصل وفواصل، لم ينبنا من فوراتها غير الذل والهوان وضياع الزمان والمكان·· نريد لمصر أن تحلم حلمنا وأن تحمل القضية على ظهر سفينة النيل العظيم، كي لا تغرق ونغرق في مهاترات إقليمية، ضاجّة بالمنافع الذاتية مفعمة بالمصالح التي هي ليست من مصلحتنا