تخبرني أنها تنتظره على الرغم من مغادرته محيطها الجغرافي القريب منذ أكثر عن عام، وبأشواق طفلة تتطلع قدومه كالعيد، وأنها تبحث في برجها وكل الأبراج عن توقع يملأ رئتها بأريج عودته قريباً، وأنها لا تزال تحتفظ له بمكان خاص عندما تزور ذلك المقهى، وأن عينيها عندما تكونان هناك تكادان لا تفارقان الباب تتخيلان دخوله؛ أخبرتني أيضاً عن احتفاظها برسالته الهاتفية التي اعترف فيها للمرة الأولى بحبه لها، وأنها تلجأ إلى قراءتها مرات ومرات بلا ملل، وكم تحب أن تستحضر الدقائق ''الحلم'' التي مرت عليها وقت سماعها وصول تلك الرسالة قرابة الرابعة فجراً، وهو الوقت الذي ما زال يؤرقها كل يوم وكأن قلبها يوقظها لكيلا تفوتها لحظة استقبال رسالة منه يخبرها فيها أنه لا يزال يحبها· بدوري كنت ارغب في أن أخبرها أشياء كثيرة، أن أقول لها إن ما تفعله يدفع الضوء للانكسار في أعماقها، ويدفع القمر للبكاء، والزهور للانتحار وحبات الندى للهجرة بعيداً عن أرض الحياة، ويجعل العمر ينقضي بحزن؛ لكني لزمت الصمت، لأني على قناعة تامة أنها لن تسمع إلا ما يتوافق مع ما تقوم به· ؟؟؟ وحده الحزن دون عن كل الأشياء دائماً ما يكون هناك فائض وفير منه، لا يحتاج الأمر الكثير من الوقت لكي تستنهضه من مكانه، في شاشات التلفزيون وفي المطارات والمستشفيات، وفي نفوسنا التي مهما بدت سعيدة ضاحكة هناك نقاط حساسة لاستنهاض الحزن سريعة التفاعل، وأكاد أجزم أنها لا تعطب، بل على العكس، تزداد قوة مع الزمن· يقول البعض إن الحزن في مقتبل العمر يكون سائحاً، ومع تقدم العمر يبني قصوره ويحصل على شرعية أبدية؛ قلة من ترفض هذا الاستعمار وتعلن ثورتها الخاصة على كل بٌنى الحزن في داخلها فتقتلعها وتزرع مكانها براعم للأمل التي تسقيها بأفراح كانت، وأخرى على أمل أن تأتي· هناك نفوس تصلح لاستعمار الحزن وتقدم له شرعية البقاء من دون أي مقاومة أو مطالب، بل تدخل معه في اتفاقيات ربط مصالح طويلة الأجل لضمان بقائه؛ وهناك نفوس لا تستسلم، بل تقاوم، ولكن مقاومتها ضعيفة، فينتصر الحزن ويرفع علمه بزهو فيها؛ وهناك نفوس لا تقبله إطلاقاً، بل على العكس تحاربه بشراسة وبكل الأسلحة، وترفضه حتى لو كان سائحاً؛ فأي نفس تبتغيها لك؟ ِِAls_almenhaly@admedia.ae