لا تزال بعض شركات المقاولات تمارس لعبة القط والفأر مع القوانين والنظم التي تهدف الى حماية الإنسان وحفظ قيم البلاد الحضارية· بعض هذه الشركات تكدس عمالها في سيارات مكشوفة ''وانا'' وتراكم أجسادهم دون أدنى حماية أو رعاية لأرواح بشرية قد تذهب فجأة نتيجة حادث مباغت، فلا من رأى ولا من سمع· لم يقصر البلد، ولم يدخر جهداً في وضع القوانين المانعة والرادعة والكابحة لهذه السرعة الجنونية التي تمارسها بعض شركات المقاولات من أجل تنفيذ مشاريعها، وعلى حساب الناس، وعلى حساب سمعة البلد وتوجهه الحضاري والاهتمام بالإنسان أياً كان جنسه ولونه، ولكن البعض من أصحاب شركات المقاولات يرى في هذه القوانين قيداً لطمعه وجشعه، فيتخذ السبل والحيل للتلاعب والتهرب والخروج من عنق الزجاجة متحللاً من أي رقابة أو متابعة أو ملاحقة· في شوارعنا الفسيحة تجد هذه المركبات المهترئة والمجردة من أي وسيلة أمان، تخوض معارك المصير، حاملة في أجوافها هذه الكتل البشرية وتجد الأيادي السمراء متعلقة بحبال الهواء، متناسية الأخطار بما تستطيع وبما تملك من إرادة وعزيمة لعلها تصل الى أماكن استقرار حية سليمة معافاة· مشاهد تثير الفزع، ولا يملك الإنسان إلا أن يقول يارب يعود هؤلاء بسلام الى مأواهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله· ويبدو أن شركات المقاولات لا تذعن لقانون ولا تؤمن بنظام، ولا تحترم عرفاً ولا تقدر مكانة هذا البلد الذي سخر كل إمكاناته من أجل توفير الراحة والاستقرار لكل إنسان يعيش على هذه الأرض، يبدو أن هذه الشركات تريد أن تحلق عالياً بعيداً عن طموحات بلادنا ورؤاها الإنسانية والحضارية، يبدو أن هذه الشركات أخذت عهداً على نفسها بألا ترى في هذه القوانين غير حبر على ورق، لذلك فإن الأمر بحاجة الى اتخاذ الإجراءات الصارمة وتنفيذ العقوبات الجازمة، وألا تترك الأمور هكذا بيد من لا يحترم ولا يقدم غير الإساءة للبلد وتشويه الصورة الناصعة وتسويف الأشياء الجميلة التي رصع قلائدها رجال عاهدوا الله على خدمة هذا الوطن وتشييد بنائه على أسس راقية وزاهية يشهد لها القاصي والداني في أصقاع الأرض· هذه قضية جوهرية وملحة ولا يمكن التهاون في سبيلها حتى لا يعبث العابثون بأمن البلاد واستقرارها، وصورتها المثلى التي تحققت عبر عقود من البذل والجهد والعطاء من أجل نهضة الوطن ورقيه وتطوره، قضية تحتاج الى مزيد من الرصد ومراقبة الأيدي العابثة والتصرفات المسيئة والأهواء والرغبات التي لا تصب إلا في خانة التشويه والتسويف وتحريف المبادئ السامية التي رسختها بلادنا حفاظاً على المكانة وحماية ورعاية أرواح الأبرياء الذين لا ذنب لهم إلا أنهم وقعوا ضحية نفوس مريضة وقلوب بلا رحمة ولا شفقة· وزارة العمل مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتكثيف الجهود وتشكيل فرق الإنقاذ والملاحقة وتشديد العقوبات على المخالفين والمجازفين بأرواح البشر والمتحالفين مع الزلل والخلل وارتكاب الأخطاء الذريعة· لابد من تحرك جريء وفوري، ولابد من وضع القضية نصب الأعين والآذان، وألا تترك هكذا بلا رادع ولا مانع·· مسؤولية وزارة العمل أن تخض خضيضها، وأن تهرع بقوة وحزم لصد هذا العدوان على سمعة البلد وأرواح البشر·