الرواية الأخيرة التي كتبها الروائي اللبناني بالفرنسية الدكتور محمد طعّان، هي رواية ''سيّد بغداد''· سبق له وكتب بالفرنسية أيضاً ''رواية الخواجا'' وموضوعها الحرب الأهلية اللبنانية، ورواية ''فول سوداني''· ولا نجزم بأن الدكتور محمد طعّان متأثر بالروائي اللبناني الفرنكوفوني أمين معلوف، في رواياته المؤسسة على الأحداث التاريخية مثل ''سمرقند'' و''الحروب الصليبية'' و''صخرة طانيوس''، وذلك بسبب اختلافين جوهريين بين الروائيين اللبنانيين بالفرنسية، وهما: الأسلوب الروائي واللغة الروائية· فإن أمين معلوف يعمل الأسلوب الإبداعي في مادته التاريخية، أعمالاً تحويرياً يكاد يتفرد فيه بين جميع روائيي الأحداث التاريخية بشكل خاص والأرشفة بشكل عام، ومن بينهم المصري صنع الله إبراهيم وحتى باولو كويلو في ''الخيميائي''· أما لجهة اللغة، فإن لغة معلوف أكثر نصاعة وأمتن ثقافة من لغة طعّان·· فروايات ''طعّان'' يضغط عليها الحدث التاريخي والوقائعية التقريرية بشكل قوي، حتى تكاد تضيع ''المخيلة'' من الصنيع الروائي·· ولغته مستمدة من هذا الحدث، مباشرة ونقلية وتكاد تكون استنساخاً واستعادة لما دوّنه المؤرخ من حوادث ومعلومات وأحياناً من تقارير· ومع ذلك فإن رواية ''سيد بغداد'' الأخيرة تبرز نواة روائية مهمة من خلال رسم شخصيتين مركزيتين في الرواية: الأولى شخصية ''سيد بغداد'' ويكتفي الروائي بتسميته ''السيد''، وهو رجل الدين الشيعي من جنوبي العراق، يلعب دور البطل السلبي في الرواية، فهو ليس ثائراً وديناميكياً في مواجهة احتلال القوات المشتركة بقيادة أميركا للعراق، لا يؤلف خلايا ثورية ولا يحمل السلاح أو يحرّض على حمله ضد هذه القوات، بل يقوم بممارسة طقوسية من قراءات تعزية، وصلاة على الأموات، وقراءة الأوراد والآيات القرآنية·· واحتماء بالمعتقدات الدينية، وتعاون مع قوات الأمم المتحدة لإحياء منطقة الأهوار الجنوبية، بإعادة ضخ المياه إليها بعد أن كادت تموت بسبب تجفيفها وإخلائها من الماء·· ''وجعلنا من الماء كل شيء حي''· الشخصية الثانية التي تخضع لنمو وتطور في الرواية، هي شخصية الجندي الأميركي ''جيمي''، الذي سرعان ما يكتشف تضليل بلاده له ولسائر الجنود، من خلال أن بلده ''أرسله ليحارب باسم الديمقراطية'' (ص33)· يكتشف ''جيمي'' أن الحرب كانت قذرة بشعاراتها وأساليبها وأكاذيبها، يتخلى عن البندقية، ويخلع ثياب الجندية، ويعتنق الإسلام، وينضم إلى ''السيد'' وفريقه في العمل لإعادة إحياء الأهوار· وتنتهي الرواية بأن جيمي ''بدأ يتعلم العربية''·